بقلم: الدكتورة رلى الجردي
سأضعُ المخيمَّ يومًا في جيبي
وأرحلُ
سأسِلُّ جسمي على حشدِ الجُسومِ
وفتاتِ الماء
أجمعُ فِلَذاتِ الوقت،
الحبَّ المتساقطَ يباسًا،
سأفتح سفرًا
وأرتفع من تحت أنقاض المعاهدات
وتواقيعِ البنود
يمدحونني
يغرزون الأوسمةَ في صدري
وأنا أُخَلِّصُ أشباحي
من بين فكَّي المخيَّم
أقلِّدُ حديقةً لم تُزرعْ
أضمُّ يدين أو شجرةً مفقودةً
وأتوقّع هطولَ المطر من سماءٍ بلا غرافيتي
حين أصلُ إلى الثياب المتكرِّرة
والفاكهة الموحَّدة
عند رأسِ المخيّم
سألقي الذِّكرى على غسان كنفاني
وأرحل
حين ارتمى ظِلُّ القاتلةِ عليَّ
علمتُ أنَّها الدولة
كنتُ أختبئ في ثياب تربتي
أو بعيدًا في مُدوَّنة اللجوء
لم يرها أحدٌ تنبش القبرَ
لم يعرفها مخلوق
كانت ترتادُ عطرَها
وحديثَها الحضاريَّ
قبل التهامنا،
في كل قطرةٍ من المخيم
أظفارٌ لها
وفي الكفن المعتادِ مفاتيحُ سجونِها
أزدحمُ أنا والفقرُ وساعةُ ماء
في خزّان المخيم
الحلمُ سُلَّمٌ لا تستطيع الأيامُ اعتلاءَه
في صور،في طرابُلس وفي بيروت
أنتظرُ أن يَخرجَ الطائرُ من فوهة الليل
ليعيد الصّبحَ الى مكانه
كبريقٍ في عينٍ مُقفرة
سألبسُ كلَّ ثيابي في بهوِ الشَّتات
أُلقي حزني على غسّان كنفاني
وأرحل
في دمشق
سيقفُ فدائيٌّ ليبيعني دخانًا مهرَّبا
يحدِّقُ في جُلودِ أحذيةٍ فخورة
يمسَحُها وتمسَحُه،
هوَ الذي يومًا نهى نفسَه عن الموت
غنَّى كلاعبِ كرةٍ لقدميهِ الخارقتين
سأقول له: لم يحتضنك فريق
لم يُجلسكَ على جبلِ الأوليمب الحكّامُ
إلّا لتعودَ سفيرًا لبكاءِ المخيّم
حين يتركُنا خالد لمذابحنا في اليرموك
ويَغوينا حنينُ السَلفيِّ إلى قريش
أو مجزرةٍ تليقُ بالجنَّةِ
سأقتل الأمنياتِ بالسُّمِ
وأَحمِلُ صورةً لها
حين تَحنو على المجرمِ كوفيَّة
وقرابينُ السَّبايا
حين نخون
سأجرُّ ذيلَ الإعاقةِ
ودولابَ جسمي
وأهجمُ على الموتِ ببُكمي
عندما أصيرُعلى لسانِ أمّي
الجملةَ المشلولةَ
أعرفُ كيف تصبحُ السهولُ الغريبةُ
فلسطينيةً
سأُقلِّدُ نروجيّةً في صورةِ الجوازِ
أقدِّم ثغرًا باسمًا للجليد
سأقيِّدُ حجارةَ المخيَّمِ بأقدامِ الباب
أشدُّ وثاقَها
كيلا تلحقَ بي
هي وحبيبي إلى أوسلو
سأعيدُ تَرسانةَ الآلامِ إلى غسان كنفاني
وأرحل
سيرضخُ إسمي للنهاراتِ الفائضَة
وأنا أقفلُ ميناءً لِوِحْدتي في بيرغن
سَأُشاركُ بحديثِ الجبال السبعة
وأشكو: لم يعد بيني وبين الأطلسي ما يقال
ستضربُ حائطَ المخيَّمِ بزِندَيها المناشير
وصِبايَ في مَصنعِ الورقِ سَيفرُّ، يطير
بين الغبار والحرير الصخري
سأزوِّدُ القدسَ بالحُبِّ
أدقُّ جرسًا في داخلي بكنيستِها،
وأمشي وراء مساءٍ إسْكَندِنافِيٍ لا يعتكر
سَيكُفّ عني غسان كنفاني،
وقد يعفو
حين أستدفئُ بالمخيَّمِ في الثلج الباهر
ومن أحضانِ البلاستيكِ أنقذُهُ
ريثما ينتظرُ أمام بيتي
دورَهُ بالتكرير.
تعتبر هذه القصيدة من روائع الشعر العربي المعاصر لقد استطاعت الشاعرة رلى
ان تمكر بالكلمة في فزع جميل . وهذا يدفع القارئ-ة- الة القراءة واعادة القراءة في بهاء يشبه حسن سيطرتها على الالفاظ المعجمية و استنباتها في وهج معرفي يدل على حنكة وخبرة وقراءة متأنية للتاريخ فعلى مستوى المكان تحضر دمشق ، صو، طرابلس، بيروت ،دمشق ، أسلو. بجوار شخصيتين تاريخية فاعلة ” خالد ” و” غسان الكنفاني”
لا شيء في هذه القصيدة يكتب عبثا. الشاعرة لها قوة الاستحضار توظف في اناقة وبهاء “اليرموك” ” قرشي” وتجعل الروابط فاعلة في استثمار الخطاب عند القارء-ة-
القصيدة تستحق التقدير
لدكتورة لطيفة حليم باحثة جامعية