الوضع الدولي:
تتأكد أكثر السمة الفاشية للإمبريالية الاميركية، في مجمل السياسات الاميركية على الصعيد الدولي وخاصة فيما يتعلق بالدول النامية ومنطقتنا العربية، وقد أشعلت هذه الإمبريالية حربا عالمية شاملة تحت شعار مكافحة الإرهاب، وهمشت الأمم المتحدة التي تحول دورها لتغطية وتشريع عدوان الولايات المتحدة وتكريس أحادية القطب العالمي، وطرحت نظرية الحرب الاستباقية التي تبرر لها العدوان على أي بلد أو شعب أو مجموعة تزعم أنها قد تشكل خطرا على أمنها ومصالحها مستقبلا، وكذلك نظرية الفوضى الخلاقة، والتي لا تحكمها قوانين أو قواعد محددة، بل تقوم على إثارة الفتن والصراعات الطائفية والعرقية والاثنية بين الدول وفي داخلها لإضعافها وتفتيتها وتبرير التدخل والسيطرة عليها ومنع التوحد الشعبي في مواجهتها وانسجاما مع نظرية صراع الحضارات، واستهدفت هذه الحروب غير المحددة بمكان أو زمان ليكون العالم كله مفتوحا أمام التدخل الإمبريالي شعوب العالم وفقرائه والدول الرافضة للهيمنة والسيطرة الاميركية، وحيث المعتقلات في غوانتانامو وأبو غريب وغيرها عشرات من المعتقلات السرية في أوروبا والعالم ذروة الممارسة الفاشية والنازية في القرن الواحد والعشرين، وكل هذا تحت شعارات نشر الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان والحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل وضرب الديكتاتوريات، وهذه الشعارات التي لتضليل الجماهير وتبرير التدخل العسكري.
هذا النهج الفاشي الذي جعل من الولايات المتحدة الدولة الإرهابية الأولى في العالم، يعود إلى المأزق الاقتصادي والسياسي للنظام الرأسمالي العالمي والمتعلق بنمط الاقتصاد المعولم، وتدني نسبة النمو، وتصاعد الدين العام، والانفاقات العسكرية الضخمة التي ازدادت بفعل الاحتلال الأمريكي والغربي لأفغانستان والعراق، والتدخل في غيرهما، وإقامة القواعد العسكرية في أكثر من منطقة في العالم وازدياد السيطرة العسكرية على البحار والمحيطات. وقد عمدت إلى تشديد هجومها التوسعي في العالم لتجنب أزمة اقتصادية حادة، ولتغطية تكاليف حروبها العدوانية وتعبيرا عن جموح الرأسمالية المتوحشة.
كما سعت الإمبريالية الاميركية إلى السيطرة على ثروات العالم النفطية والمواد الأولية، والتحكم بالأسواق العالمية، وتطويق القوة الاقتصادية الصينية الناهضة، ومزاحمة الكتل الرأسمالية الأخرى وخاصة الأوروبية واليابانية، وتوزيع الفائض عنها من هذه الثروات حصصا على الدول الرأسمالية الأخرى تبعا لمصالحها السياسية والاقتصادية، مما زاد من التحاق هذه الكتل بالولايات المتحدة سياسيا واقتصاديا. وذلك بالرغم من التداخل الهائل في الاقتصاد العالمي والشركات الاحتكارية الكبرى، لكن ذلك لا يمنع من وجود تعارضات بين الكتل الرأسمالية، وهذا من طبيعة النظام الرأسمالي نفسه، إلا أن تعويل بعض الدول والقوى على هذا التعارض لتطوير اقتصادياتها وتحقيق برامجها التنموية هو ضرب من الوهم، لان النظام الرأسمالي العالمي متداخل في المصالح المشتركة ومتفق في الأهداف والبرامج والتوجهات تجاه الدول النامية وكافة شعوب العالم.
ويبرز على المستوى العالمي دور روسيا الاتحادية التي تسعى إلى استعادة جزء من الدور الدولي للاتحاد السوفياتي السابق، وهامش من الحرية في حركتها وعلاقاتها عن التوجهات الاميركية لتأمين مصالحها الحيوية في العالم. وكذلك الصين التي تشكل قوة اقتصادية هامة، وتشهد تطورا متسارعا في وتيرة النمو الاقتصادي وفي العلاقات الدولية، إلا أن التحالف الروسي – الصيني لم يشكل حتى الآن تناقضا هاما مع النظام الرأسمالي العالمي، ويتركز دوره الآن في دعم بعض الحالات الاعتراضية الرافضة للهيمنة الإمبريالية، وهذا يؤهله لاحقا لدور فاعل في القضايا الدولية وبداية جديدة لحرب باردة. وتطور الدور الروسي – الصيني مرتبط بتبلور عوامل الصراع الطبقي والتحرري للجبهة العالمية المواجهة للإمبريالية، لإفشال مشروعها والحد من حركتها ومنعها من توسيع نطاق حروبها العدوانية مما يحفز حركات التحرر الوطني والاجتماعي على الكفاح، لامتلاكها القناعة الحاسمة بإمكانية هزيمة الإمبريالية الاميركية وتحقيق الانتصار عليها في أي موقع في العالم. وهذا يؤسس في مرحلة لاحقة إلى تكبيد الإمبريالية خسائر مادية وعسكرية كبيرة وانهيارها سياسيا ومعنويا، ويؤثر بالتالي على وضعها الاقتصادي والعسكري، وعلى القوى المرتبطة بها تبعيا.
وكنا حددنا مبكرا أن المقاومة الشعبية والمسلحة للاحتلال وللهجمة الاميركية – الصهيونية المتصاعدة في العراق وفلسطين ولبنان والضغط على سوريا كفيلة بتغيير موازين القوى ليس محليا فقط بل وعالميا أيضا، ونحن نشهد جملة من التحولات الايجابية، فالموقف الشعبي العربي في حراك سياسي نضالي متصاعد يعبر عنه بأشكال متعددة تبعا لتطور مستوى الوعي ومواجهة القمع، وتعم حالة العداء للإمبريالية الاميركية وسياساتها العدوانية مختلف دول وشعوب العالم، وكذلك تتوسع عملية التغيير الجارية في معظم دول أميركا اللاتينية باتجاه اليسار وخاصة الراديكالي وآخرها في البيرو، ونتائج الانتخابات البرلمانية في أوكرانيا بعد مرور عام واحد فقط على ما سمي “الثورة البرتقالية” وكذلك في روسيا البيضاء وفي ايطاليا، وتتطور الحركات الاجتماعية المناهضة للعولمة والمتضامنة مع نضالات الشعوب المضطهدة، والتنديد بالسياسة الاستغلالية والتدميرية لمنظمة التجارة العالمية وصندوق النقد والبنك الدوليين يشمل العالمين النامي والمتطور. هذا الموقف ليس طوباويا، فالنموذج الكوبي رغم الحصار الاميركي المجرم منذ 47 عاما، والعقوبات الاقتصادية الظالمة ومحاولات الغزو والعدوان العسكري والتخريب الداخلي واعتقال الكوبيين كرهائن، وبالرغم من صغر مساحة كوبا وقربها الجغرافي من الولايات المتحدة، لم تتمكن الإمبريالية بكل قوتها وغطرستها من إسقاط هذا النموذج الثوري الذي يعبر عن مصالح الطبقة العاملة وفكرها الثوري، الفكر الماركسي – اللينيني. ويمثل النموذج الكوبي دافعا لتطور الحالة الوطنية والثورية في أميركا اللاتينية وعلى مستوى العالم كله.
الوضع العربي:
والمنطقة العربية المؤثرة والمتأثرة بالتطورات الدولية والواقعة في قلب الصراع ضد الاميركيين والصهاينة والمستهدفة بمشروع تفتيتي ستكون تداعياته فيما لو تحقق اخطر من سايكس – بيكو وهو مشروع الشرق الأوسط الكبير الهادف لضرب الهوية العربية ومشروع التوحد العربي السياسي والاقتصادي على أسس ديمقراطية، وزعزعة الاستقرار في منطقتنا وتفتيتها والهيمنة عليها بالحروب الداخلية والتوتير الطائفي والمذهبي والعرقي، ويأتي موقف الرئيس المصري حسني مبارك حول التشكيك في ولاء العرب الشيعة لعروبتهم ولأوطانهم وقبله الملك الأردني عبد الله حول الهلال الشيعي ليخدم هذا التوجه الإمبريالي، وبذريعة نشر الديمقراطية ودعم الحركات الإصلاحية والليبرالية البرجوازية لتقويض الدول والقوى الممانعة والصامدة، وجعل الكيان الصهيوني مرتكز الشرق الأوسط الكبير لتأمين المصالح الاميركية والرأسمالية العالمية، خاصة أن منطقة ما يسمى الشرق الأوسط تعتبر خزان النفط العالمي إذ تضم أكثر من 65% من احتياطيات العالم وسوقا استهلاكية هائلة.
إن مجرد انعقاد القمة العربية الأخيرة تمثل خطوة ايجابية، كون الدول العربية كما الجامعة واقعة تحت تأثير التوجهات الاميركية، وبالتالي فإن انعقادها يوظف في مصلحة التمسك بما تبقى من الحد الادنى من التضامن العربي وكتوجه غير مباشر لرفض مشروع الشرق الأوسط الكبير، مع أن القضايا التي طرحت على جدول أعمالها يصعب التوافق حولها لان لكل نظام حساباته والتزاماته الخاصة، وهذا ما عبر عنه غياب عدد كبير من القادة العرب. ويبقى أن البيان الختامي للقمة حاول مسايرة مختلف الأطراف العربية وعدم إغضاب الولايات المتحدة في نفس الوقت، فجاء تأييد المقاومة في لبنان ودعم نتائج الانتخابات الفلسطينية وحكومة حماس، والتأكيد على وحدة السودان والحل العربي فيه، والتشديد على وحدة أراضي الدول العربية، بينما غاب عنه أي موقف ضد الاحتلال الاميركي للعراق أو دعم المقاومة فيه.
وتشكل البرجوازيات العربية الملحقة بالإمبريالية والخاضعة لإرادتها، القامعة لشعوبها والمساومة على مصالحها، والحائلة دون ممارسة الديمقراطية والحريات العامة إعاقة لتطور العملية النضالية على المستوى العربي، مما يفرض ضرورة تشكل حركة عربية ثورية ديمقراطية لتنسيق وتنظيم المواجهة والمقاومة ضد الغطرسة الاميركية والصهيونية ولإحداث التغيير الجذري في البنى السياسية والاجتماعية العربية. ويولد نضال الطبقة العاملة والشعوب المكافحة وان تعرض لانتكاسات وإخفاقات، قوى وقيادات ثورية مناضلة تمتلك الرؤية الصحيحة والإرادة الصلبة لاستمرار مسيرة النضال ولا الوقوف في منتصف الطريق، وتنبذ هذه القوى من صفوفها المتساقطين والانتهازيين المنظرين للمشروع الاميركي وخدمه، فالطبقة العاملة بكفاحيتها كفيلة ببناء تنظيماتها وقياداتها الحريصة على الفكر الثوري، فكر الطبقة العاملة، والتصدي لدورها التاريخي في مجتمعاتها مع حلفائها من الكادحين والطبقات الفقيرة، من اجل التغيير الثوري وبناء الاشتراكية العلمية على أسس الديمقراطية الشعبية.
وبعد مرور ثلاث سنوات على الغزو الاميركي للعراق يتبدى مأزق الاحتلال الاميركي والغربي وبدايات هزيمته، ويتعمق مع تزايد الكلفة المادية والبشرية، ومع فشل “العملية السياسية” بعد الانتخابات النيابية والتي أتت نتائجها غير ما يشتهي الاحتلال. ولذلك تسعى الإمبريالية إلى تفتيت العراق وخلق الفتن المذهبية والعرقية لتقسيمه، حتى إن الاحتلال لم يعد يرتكب المجازر الطائفية عبر عملائه فقط بل يقوم بذلك مباشرة ضد المدنيين العزل لتأجيج النعرات، وكل ما يحصل من مجازر هو من صنع الاحتلال وبرعايته كائنا من ينفذها، كما تسعى الإمبريالية إلى تعميم هذا النموذج التخريبي على دول المنطقة في سياق مشروع الشرق الأوسط الكبير، غير أن المقاومة الوطنية العراقية تؤكد بعملها ونهجها أن العدو الرئيسي للشعب العراقي هو الاحتلال الفاشي وعملاؤه، كما تؤكد ضرورة الانخراط في قتاله، لأن الوحدة الوطنية لم ولن تتحقق إلا على قاعدة المقاومة لأنها الحريصة مع حلفائها على وحدة الشعب لتأمين حاضنة قوية للمقاومة، وهذا الأمر ينطبق على لبنان وفلسطين كما على العراق. ويبرز الدور الأساسي لتيار مقتدى الصدر وكافة القوى والتيارات المناهضة للاحتلال في منع الفتنة وتحصين الوحدة الداخلية وتوجيه الاتهام للاحتلال بارتكاب المجازر وبالتالي الدعوة للرد عليه حصرا، وتحميله مسؤولية ما وصلت إليه الأوضاع في العراق.
وفي فلسطين، أسفرت الانتخابات الفلسطينية عن خيبة أمل للإمبريالية الاميركية، كما للكيان الصهيوني، فتخلت عن شعارات الديمقراطية والحرية، وشنت هجومها على الديمقراطية الحقيقية التي أوصلت حركة حماس إلى السلطة بشهادة المراقبين الدوليين والمحليين بأغلبية كبيرة ما يؤكد أن الديمقراطية لا تعنيها إلا بقدر ما تحقق مصالحها وتأتي بحلفائها وأدواتها إلى مواقع السلطة، لذلك فهي تساند الأنظمة الديكتاتورية والقمعية والحركات المتطرفة لإنجاح برامج التدخل والسيطرة ولو اقتضى ذلك ابادة شعوب بكاملها. ويمثل انتصار حماس نقلة نوعية هامة في الصراع العربي – الصهيوني، لأنه انتصار لخيار المقاومة والقتال ولبرنامجها السياسي والنضالي الذي اسقط أي مراهنة على المساومة والتنازلات للعدو، كما انه انتصار لإرادة الشعب الفلسطيني بالصمود والمواجهة ورفضه لعملية التفاوض التي كلفته الكثير من ثوابته الوطنية وحقوقه التاريخية عدا عن التضحيات، ويعتبر موقف حماس أيضا موقفا اعتراضيا على سوء الإدارة وحالة الفساد في مؤسسات السلطة وأجهزتها وعند قيادييها. هذا الواقع الجديد يرتب على حماس مسؤوليات كبرى وبرنامج وطني لإدارة شؤون الشعب الفلسطيني وتأمين احتياجاته الملحة مع التمسك بنهج المقاومة وكل ذلك في ظل رفض غير مبرر من الفصائل الفلسطينية للمشاركة في الحكومة الجديدة تهربا من المسؤولية أو تهيبا منها، وفي ظل حصار دولي على الشعب الفلسطيني تقوده الإدارة الاميركية والعدو الصهيوني ومعهم معظم الدول الأوروبية والأمم المتحدة، والعديد من الدول العربية ضمنا، ومن هنا أهمية المبادرة الروسية التي كسرت طوق العزلة عن الفلسطينيين وشجعت بعض الدول على التعاون مع الحكومة الجديدة وأحرجت النظام الرسمي العربي للتعاون معها، والشعب الفلسطيني المدافع عن وحدته الوطنية والمقاتل ضد الاحتلال كفيل بقدراته الثورية وإرادته الصلبة أن يحقق الانتصار على الكيان الصهيوني الذي تعرض مشروعه لانتكاسات وضربات كبيرة بعد فقدانه القدرة على التوسع والاحتلال إلى الدفاع عن وجوده على الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة فقط، والحديث اليوم عن تحديد حدود هذا الكيان الذي لم يعترف يوما بحدود معينة لهو تعبير عن الفشل الكبير الذي أصاب استراتيجيته، ولا يعني ذلك أن طموحه للتوسع قد توقف، فهو يراهن على دور مركزي في مشروع الشرق الأوسط الكبير بدعم اميركي لا محدود، مع استمرار وتصعيد عدوانه الفاشي والعنصري في القتل والتدمير واستمرار اعتقاله ما يقارب العشرة آلاف معتقل في سجونه النازية وخرق الاتفاقات الدولية وآخرها اقتحامه لسجن أريحا وخطفه أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين احمد السعدات ورفاقه المقاومين الأبطال، ولكن ذلك الطموح يصطدم في الواقع بالمقاومة الفلسطينية الباسلة التي أجبرته على الاندحار من قطاع غزة، وها هو يهيئ الرأي العام الداخلي للانسحاب من بعض مستوطنات الضفة الغربية، وحتى جدار الفصل العنصري الذي قسم المدن والقرى الفلسطينية، وضم مساحات واسعة من أراضي الفلسطينيين يعتبر بحد ذاته السيناريو الصهيوني لترسيم حدود الكيان الغاصب الذي روج له حزب كاديما الصهيوني في برنامجه الانتخابي، كما انه الخط الدفاعي لحماية هذا الكيان. هذا الواقع التراجعي للعدو يؤكد أن إمكانية تحقيق الانتصار عليه على المدى الاستراتيجي ومنعه من استمرار كيانه العنصري والفاشي تحصيل حاصل، لأنه كيان غاصب قائم على احتلال الأرض وطرد الشعب والعدوان على المنطقة كلها، كما أن الصهاينة اجتماعيا وتاريخيا هم مجرد غزاة ومستوطنون يقومون بمهام خدماتية للإمبريالية الاميركية وللنظام الرأسمالي العالمي، والحركة الصهيونية كانت وما زالت حركة عنصرية فاشية حتى لو ألغت الأمم المتحدة هذا التصنيف لها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وبالتالي لا يمكنها البقاء إلى ما لا نهاية في هذه المنطقة على حساب حقوق شعوبها في التطور والتقدم والتنمية.
الوضع اللبناني:
وشهد لبنان على مدى أكثر من عام جملة من التطورات والتغيرات الأساسية في تركيبة السلطة فيه، وأعيدت صياغة التحالفات الطبقية والسياسية والطائفية تبعا لموازين القوى الجديدة التي تشكلت عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والتي استندت على القرار 1559 الاميركي الصنع والإسرائيلي المصلحة والدولي الإخراج الذي فتح المجال لتدويل الوضع اللبناني، وجعله تحت الوصاية والهيمنة الاميركية والغربية وانكشافه سياسيا واقتصاديا وأمنيا، ومثل فريق 14 آذار رأس حربة لهذا المشروع مستغلا حالة الصدمة والغضب الشعبي على عمليات الاغتيال والتفجير التي حصلت، وتستر بشعارات السيادة والاستقلال والوحدة الوطنية زورا لتحريض الجماهير على العرب والعروبة، متهما سوريا منذ اللحظة الأولى بالمسؤولية عن الاغتيال ومطالبا بخروجها السياسي والاقتصادي والاجتماعي قبل العسكري والأمني من لبنان وكذلك فقد قطع الطريق على أي مبادرة أو مسعى لبناني أو عربي لوقف التصعيد وتخفيف التوتر، وقد تمادى هذا الفريق وصولا إلى طلب التدخل العسكري الاميركي لتفجير الساحة السورية الداخلية، وقد المح إلى الفلسطينيين بدور ما في هذه العملية وذلك بهدف طرح الوضع الفلسطيني كله للتصفية السياسية وليس سلاحه فقط، ووصل الأمر بهذا الفريق إلى حد الجهر بمشروعه السياسي الهادف إلى إنهاء حالة الحرب مع إسرائيل من طرف واحد، وإخراج لبنان من الصراع العربي – الصهيوني، وتجريد لبنان من عناصر القوة المواجهة للمشروع المعادي عبر إنهاء المقاومة كخيار استراتيجي لتحرير ما تبقى من الأرض اللبنانية المحتلة في مزارع شبعا وتلال كفر شوبا وتحرير الأسرى والمعتقلين من السجون الإسرائيلية وفي مقدمتهم عميد الأسرى سمير القنطار وردع العدوان الصهيوني الدائم ضد لبنان والمنطقة العربية.
ولانتهاز فرصة التعبئة الشعبية، وخشية تبدل موازين القوى في المنطقة، أصر التحالف البرجوازي – الطائفي وبضغط اميركي على إجراء الانتخابات النيابية بأقصى سرعة وعلى أساس قانون الألفين المطعون بعدالته سابقا بشدة من هذا التحالف، لتحقيق أغلبية في البرلمان ومن ثم الإمساك بالحكومة التي جاء بيانها الوزاري خاصة في المجال الاقتصادي نسخة طبق الأصل عن برامج الحكومات المتعاقبة التي أوصلت البلد إلى حافة الانهيار أما في المجال السياسي فقد جاء البيان فضفاضا بهدف التفلت منه عند الحاجة وهذا ما حصل، وبهدف القبض على مواقع النظام وتكبيل الدولة بتعهدات سياسية واقتصادية فرضتها الإمبريالية الاميركية والتي تؤدي – في حال تنفيذها – إلى رهن الوطن بالكامل للخارج وتمزيق وحدته الوطنية وبنيته الاجتماعية، واستكمال نقل البلد من الموقع العربي الوطني المقاوم إلى الموقع النقيض. وما الأزمات السياسية التي شهدتها الحكومة إلا تعبيرا عن مدى الاختلاف الحاد سياسيا ووطنيا في التوجهات والرؤى بين أطرافها، وعن حجم الالتزامات المقدمة من فريق الأغلبية لسلطة الوصاية الاميركية.
وقد أدى مؤتمر الحوار الذي انعقد في بيروت في ظروف حساسة بسبب التعبئة والتحريض الذين مورسا بحق المقاومة والقوى الوطنية وبحق سوريا إلى تخفيف حدة الاحتقان في الشارع، وأفضى إلى تعرية وكشف مواقف القوى المرتبطة بمشروع الوصاية الأجنبية والتدخل الاميركي والتدويل، كما فرض مقاربة وطنية، مغايرة لاستهدافات القرار 1559، لمجموعة من القضايا المطروحة على الحوار أبرزها لبنانية مزارع شبعا، والوضع الفلسطيني، وتحسين العلاقات مع سوريا، إضافة إلى المضي بالتحقيق في اغتيال الرئيس رفيق الحريري حتى النهاية. كما وصل النقاش بموضوع الرئاسة إلى تراجع قوى 14 آذار – كتعبير عن فشلها – عن الإصرار على إسقاط رئيس الجمهورية في الشارع بعدما سلمت باستحالة إسقاطه دستوريا، كذلك في ما يخص سلاح المقاومة حيث فرض تغير الموازين على تلك القوى التخفيف من حدة طرح الموضوع شكلا والتشديد عليه فعليا تبعا لاستمراره نقطة ساخنة على جدول الأعمال الاميركي – الصهيوني في مجال سعيهما لتطبيق القرار 1559. وتكمن أهمية الحوار في نقطتين أولها سحب فتيل الفتنة الداخلية ومنع التشنج والتوتر في الشارع خاصة إن التأزم السياسي وإثارة النعرات قد يدفع باتجاه تفجيرات أمنية تلتقي مع نظرية الفوضى الخلاقة، وفي هذا السياق تأتي محاولة استهداف الأمين العام لحزب اللـه السيد حسن نصراللـه عبر المجموعة التخريبية التي أعلن عن كشفها في سياق هذا المشروع الاميركي والصهيوني مما يستوجب تحقيقا جديا للوصول إلى الجهة المخططة والممولة لهذه المجموعة والربط بين عمليات الاغتيال والتفجير التي أصابت لبنان على مدى أكثر من سنة دون التقليل من أهمية المكتشف ومتابعة القضية للنهاية. والنقطة الثانية تتعلق بالقرار 1559 وسلاح المقاومة، إذ من الصعب الوصول إلى مقاربة بين القوى المتحاورة بشأنهما، لان الموقف الاميركي والمعبر عنه بصراحة تامة على لسان موفده إلى لبنان تيري رود لارسن يعتبر المقاومة ميليشيا يجب حلها وتجريدها من سلاحها، وعندما يتواضع يدعو إلى استيعابها في الجيش اللبناني، بعد أن يعتبرها إرهابية. هذا الواقع يفترض انخراط كل القوى الوطنية وخاصة اليسارية في المقاومة الوطنية للمساهمة في الدفاع عن الوطن ولتشكيل حماية أعمق واشمل للمقاومة وإفشال مساعي القوى المعادية الإمبريالية والداخلية.
إن العداء والحقد الإمبريالي والصهيوني على لبنان يعود لما مثله من نموذج متقدم في المقاومة، فهذا البلد الصغير وبإمكانياته المحدودة فجر المقاومة الوطنية في وجه الاحتلال التي نجحت في دحره تدريجيا حتى طرده عن الأراضي اللبنانية المحتلة عام 2000 باستثناء مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، كما أسقطت هذه المقاومة اتفاق 17 أيار وطردت القوات المتعددة الجنسيات، وكان ذلك أول انتصار يحققه العرب في تاريخ الصراع العربي – الصهيوني، دون إغفال النضالات والتضحيات الهامة التي قدمها ويقدمها الشعب الفلسطيني. ويعتبر أي إسقاط لخيار المقاومة وسلاحها هو تفريط بالقضية الوطنية وبالوحدة الداخلية ودافع لسقوط المنطقة تحت السيطرة والهيمنة الاميركية والصهيونية. وفي هذا الوقت تأتي الحملة المركزة ضد رئيس الجمهورية لعزله وإسقاطه بسبب استمرار وقوفه إلى جانب المقاومة وشرعية وجودها وسلاحها، وكذلك تعتبر الدعوات لإرسال الجيش، المبني على أسس وطنية، إلى الجنوب محاولة مشبوهة لزج الجيش في مواجهة غير متكافئة مع الجيش الصهيوني المدجج بأحدث الأسلحة والتقنية المتطورة والمدعوم بالترسانة العسكرية الاميركية، مما يحمله ويحمل لبنان خسائر كبيرة دون جدوى، وتجربة الجيوش النظامية العربية مجتمعة غير مشجعة، وهذا لا يقلل من قيمة وقدرة الجندي العربي القتالية. ولا يتم الانتصار على عدو مدجج بالسلاح المتطور وحتى النووي ومدعوم من الإمبريالية الاميركية إلا عبر حرب الشعب، فالفيتناميون انتصروا على الاميركيين عبر الكفاح الشعبي المسلح وكذلك في لبنان، وفي كل دول العالم الثالث لا يمكن لأي شعب أن يتحرر إلا بهذا الأسلوب الكفيل بجعل العدو يتردد كثيرا قبل القيام بأي عدوان عسكري واسعا كان أو محدودا وهذا ما أثبته تفاهم نيسان 1996 الذي عبر عن موازين قوى جديدة أو ما يسمى بتوازن الرعب، وأطلق يد المقاومة وكسر عنجهية العدو وغطرسته. وشلت هذه المقاومة فاعلية سلاحه المتطور وحتى النووي العاجز عن استخدامه إن في فلسطين أو في لبنان بحكم التداخل والتماس في القتال معه وبحكم قوة الردع الجدية للمقاومة، ولو كان الوضع غير ذلك لكان هذا السلاح أداة ضغط وتهديد دائم ضد كل بلدان المنطقة.
أما بالنسبة للوضع الفلسطيني في لبنان، فإضافة إلى حقوق الفلسطينيين المدنية والاجتماعية التي تؤمن لهم الحد الأدنى من الحياة الكريمة، فالشعب الفلسطيني ما زال في موقع الاستهداف الصهيوني وبالتالي في موقع المقاومة، ومهمة السلاح الفلسطيني في لبنان دعم المقاومة ومساندتها ضد أي عدوان على لبنان كما على المخيمات الفلسطينية، ومن هنا التمسك بهذا السلاح هو الترجمة العملية لرفض التوطين والتدجين والتهجير وللتأكيد على التمسك بحق العودة كخيار وحيد لجميع الفلسطينيين. ومن المهم التأكيد هنا أن قوى 14 آذار تهدف من إصرارها على نزع السلاح الفلسطيني التخلص من الفلسطينيين وتجريدهم من عوامل القوة التي تمكنهم من فرض حق العودة، وأي ادعاء آخر يفرض على هذه القوى أن تعلن بوضوح أنها مع المقاومة ومع حق العودة وتطبيق القرار 194 بالقتال والكفاح المسلح، لأن القرار 425 بقي دون تطبيق مدة 22 عاما ولم تحرك الأمم المتحدة أو القوى الدولية ساكنا لتطبيقه، حتى فرض تنفيذه ولو منقوصا، بالقتال والمقاومة، ولا ينفذ القرار 194 بالمناجاة أو بنزع السلاح، فالعدو بكل أحزابه وقادته يؤكدون كل يوم رفضهم القاطع لحق عودة الفلسطينيين ويدعمهم في ذلك الولايات المتحدة والدول الغربية بمعظمها.
شكلت وثيقة التفاهم بين حزب اللـه والتيار الوطني الحر خطوة على طريق الوحدة الوطنية، كما مثلت مرتكزا لمؤتمر الحوار حيث ساهمت في تحقيق ما تم إنجازه من نقاط، وأكدت الوثيقة أن لا وحدة وطنية على قاعدة العداء للمقاومة وللشعب الفلسطيني ولسوريا وللعروبة، بل أنها ترتبط بكل هذه العناوين لان لبنان ليس جزيرة معزولة عن محيطه العربي. إن ادعاء قوى 14 آذار تحقيق الوحدة الوطنية بتظاهراتها وتجمعاتها هو ادعاء باطل، لان عماد الوحدة الوطنية هو المقاومة الحريصة على ألا يدخل لبنان في دوامة الانقسامات الداخلية على أسس طائفية ومذهبية وفي آتون الحروب الداخلية النقيضة للمواجهة ضد العدوان الاميركي – الصهيوني.
على ضوء هذه الرؤية للوضع السياسي نرى أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي الغائب الأكبر عن مؤتمر الحوار وعن كامل عمل الحكومة مما يدل على أن هموم سلطة الأغلبية غير هموم الناس، لان الأزمات الاجتماعية التي نعيشها هي نتاج التوجهات الاقتصادية للحكومات المتعاقبة في المرحلة السابقة والمستمرة حتى اليوم، وتعتقد السلطة الراهنة أن الظروف الحالية والتوترات الأمنية والسياسية قد تطمس القضايا الاجتماعية وتساعدها على تمرير مشاريعها المعادية لمصالح الطبقة العاملة والكادحين وسائر الفئات الشعبية. ويتم تجاهل الوضع الاجتماعي كونه يعني كل الشعب اللبناني ويفتح ثغرة في بنية السلطة، ويمثل عنوانا يتوحد حوله كل أصحاب المصلحة في التغيير الجذري.
ومعالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية بشكل أساسي تتطلب خطوات جدية وملموسة في المجالات التالية:
– وقف الاستدانة التي أوصلت البلد إلى الخطر بعد ملامسة الدين العام ما يقارب 50 مليار دولار بنسبة نمو في الدين بلغت 12 % السنة الماضية بينما بلغت نسبة النمو الاقتصادي 0 %، هذا مع خدمة الدين التي تفوق 3 مليارات دولار سنويا حيث بلغ الدين العام بالنسبة للناتج المحلي 240 %، وضرورة التحقيق الجدي في أبواب صرف هذه المبالغ وحجم الهدر والنهب من مجموع الدين العام وفي صناديق المحاصصة الطائفية واستعادة المال المنهوب. وما فاقم الوضع المالي غياب الموازنة العامة للدولة للسنة الثانية على التوالي.
– التصدي لمشروع الخصخصة والدفاع عن القطاع العام بإصلاحه وتطهيره من رموز الفساد ومنع المحاصصة ومنع القوى المالية والطائفية من إفساده وإفلاسه لتبرير بيعه لقوى الرأسمالية المتوحشة المحلية والأجنبية والمشبوهة، مما تمكنها من احتكار الخدمات الأساسية مع غياب حتمي لأي رقابة من الدولة على نوعية الخدمات وأسعارها فيتحمل العمال والفئات الشعبية أعباء جديدة.
– منع نظام البرجوازية التابعة من تطبيق وصفات وشروط صندوق النقد والبنك الدوليين والاملاءات الاميركية الواردة في الورقة الإصلاحية للحكومة تحضيرا لمؤتمر بيروت الذي يروج له كمنقذ للتدهور، والتصدي لمشاريع التعاقد الوظيفي وتخفيض رواتب التقاعد وزيادات في الرسوم والضرائب الغير مباشرة.
– تغيير السياسة الضريبية التي تحمل العمال والفقراء أعباء أكثر مما تحمل أصحاب الرساميل والمداخيل المرتفعة، واعتماد الضريبة التصاعدية والمباشرة وتخفيض الضرائب الغير مباشرة بما يؤمن الحد الأدنى من العدالة الضريبية، وتفعيل أجهزة الرقابة للحد من التهرب الضريبي.
– دعم القطاعات المنتجة كالصناعة التي كانت تؤمن 25 % من الدخل الوطني، والزراعة التي كان يعتاش منها 45 % من الناس، وحمايتهما من المنافسة والمزاحمة، ووضع سياسة حمائية للاقتصاد الوطني والخروج من اتفاقية الشراكة الأوروبية وعدم الانضمام لمنظمة التجارة العالمية، وتطوير الصناعات الغذائية والزراعية والحد من الدور الاستغلالي للقطاع المصرفي والرأسمال المالي وهيمنته على النشاط الاقتصادي المحصور بالمجال العقاري وأسواق المال وسندات الخزينة التي حقق منها أرباحا بمليارات الدولارات.
– الدفاع عن الضمان الاجتماعي وحق العمال والموظفين في شبكة أمان اجتماعي توفر الحد الأدنى من الاستقرار لهم وحماية شيخوختهم، وتعزيز الاستشفاء الحكومي وتطويره، ويجري الآن ضرب الضمان الاجتماعي والمستشفيات الحكومية لمصلحة مافيات الاستشفاء وشركات التأمين التي لا يحكمها إلا قانون الربح.
– إعادة بناء الحركة النقابية على أسس ديمقراطية بوصفها منظمات طبقية، وتطوير دورها بعد إزالة التشوهات التي إصابتها بفعل تدخل السلطة فيها ووضع اليد عليها لتتحمل من جديد مسؤولياتها في الدفاع عن حقوق الطبقة العاملة والكادحين، وتشارك في وضع السياسات الاقتصادية والاجتماعية المتعلقة بالأجور والأسعار.
– وضع خطة وطنية لمواجهة البطالة المتزايدة بإيجاد فرص العمل عبر تحقيق النمو الاقتصادي، وإنشاء هيئة خاصة لمعالجة هذه المعضلة وصندوق خاص لمواجهة البطالة.
– وضع سياسة متطورة لدعم المشاريع السياحية والأماكن الأثرية، وتحقيق الإنماء المتوازن الفعلي في كافة المناطق اللبنانية وخاصة الريفية على قاعدة التنمية الزراعية والصناعية.
– وقف دوافع الهجرة إلى الخارج في صفوف الشباب والخريجين لأسباب اقتصادية، والمعبرة عن الإحباط الذي يعيشه الشباب وفقدان الأمل بمستقبل الوطن، هذه الهجرة التي تحرم لبنان من الطاقات والكفاءات الشابة.
– معالجة أزمة قطاع الكهرباء الذي صرف على إعادة تأهيله 11 مليار دولار ولم تزل برامج التقنين القاسي سارية ما يحمل المواطنين والقطاعات المنتجة أعباء مالية عالية لتأمين الطاقة من مصادر أخرى.
– تنفيذ المشاريع المائية وبناء السدود والبحيرات والمساقط المائية لتوليد الطاقة بكلفة منخفضة وتأمين ري الأراضي وتطوير الثروة السمكية وتوظيف الثروة المائية في الاقتصاد الوطني وحرمان الكيان الصهيوني من الاستيلاء على مياه الجنوب.
– الاهتمام بالبيئة وإصلاح ما خربته البرجوازية الجشعة بالكسارات والمقالع المحمية حيث تراجعت المساحات الخضراء إلى 5 %، والحفاظ على سلامة مصادر المياه الجوفية ومياه الأنهر من النفايات الصناعية.
– إنشاء وتطوير مراكز البحث العلمي في المجالات الطبية والبيئية والزراعية والصناعية وفي التنقيب عن الثروات الخامية والنفطية.
– تعزيز التعليم الرسمي وتطويره وتجهيز المدارس الرسمية بالمعدات والتجهيزات العلمية والتقنية، وتطبيق إلزامية التعليم ومجانيته ومعالجة الأسباب الاجتماعية للتسرب المدرسي. دعم الجامعة الوطنية وزيادة موازنتها وتجهيز كلياتها ومختبراتها العلمية والعملية، ووقف تدخل المرجعيات المالية والدينية والسياسية في أمور الجامعة، وإعادة العمل بالمجالس التمثيلية وإحياء الاتحاد الوطني لطلاب الجامعة اللبنانية.
– الإفراج عن تصحيح الأجور المجمدة منذ عشر سنوات ورفع الحد الأدنى إلى 600 ألف ليرة على الأقل.
أما في الشأن السياسي، فان أي مقاربة للازمات التي يعانيها الوطن تشير إلى استحالة المعالجات الجزئية لازمة نظام البرجوازية الكومبرادورية الذي بات عاجزا عن إعادة إنتاج نفسه، بالرغم من الدعم الاميركي له، وبرغم الضعف الذي يعانيه اليسار بمختلف تياراته، وإذا كان التغيير الثوري لأسس انبناء هذا النظام هو الحل على المدى التاريخي، فإنه يمكن الحد من تداعيات تبعية النظام والتحاقه بالنظام الرأسمالي العالمي مرحليا عبر سلسلة من الإصلاحات الجذرية التي تعالج بعض مكامن العطب فيه، والتي تخلق هامشا من المناخ الديمقراطي يتيح للقوى الثورية والديمقراطية خوض النضال الطبقي الاجتماعي والوطني تأسيسا للتغيير الثوري.
في البرنامج السياسي:
– الدعوة لتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية حسب وثيقة الطائف، ونشر ثقافة المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات، والانتماء الوطني بدل الطائفي والفئوي، وتحرير الشعب من الارتهان لمرجعياته الطائفية لمصلحة الارتباط بالأحزاب والتجمعات السياسية والاجتماعية والثقافية الديمقراطية والعلمانية، وإصدار قانون جديد للأحزاب يؤمن تأسيسها بحرية وعلى أساس العلم والخبر على أن تكون وطنية وديمقراطية لا طائفية، وفصل الدين عن الدولة وتحقيق العلمنة الشاملة في مجال الأحوال الشخصية والتربية والتعليم.
– تحقيق إصلاح سياسي شامل يطال مؤسسات الدولة وتشريعاتها. وإصلاح مالي يوقف الهدر والنهب ويحاسب المرتكبين بدء من المستوى السياسي ويعيد للخزينة الأموال المنهوبة، وتحقيق إصلاح إداري لتطهير الإدارات العامة من الفساد والمفسدين وحماتهم، ومن موظفي التنفيعات والمحسوبيات، وتفعيل عملها لخدمة المواطنين.
– إلغاء وتعديل القوانين والتشريعات المجحفة بحقوق المرأة الإنسانية الطبيعية في مجال الإرث والمساواة في العمل والأجر وإعطاء الجنسية، وتوسيع مشاركتها في الحياة السياسية عبر البرلمان والحكومة والوظائف العامة، على أن يكون معيار ذلك كفاءتها ونضاليتها وتمثيلها الشعبي لا على أساس التوريث السياسي، ولا يتم تحرر المرأة الكامل إلا بتحرير المجتمع من القهر الوطني والطبقي.
– وضع قانون جديد للانتخابات يؤمن التمثيل الشعبي الصحيح على أن يكون لبنان دائرة انتخابية واحدة على أساس النسبية وخارج القيد الطائفي وخفض سن الاقتراع إلى 18 سنة والاقتراع في مكان السكن وتحديد سقف للإنفاق المالي والدعاية الانتخابية للحد من تأثير رأس المال والإعلام في التقرير عن الناخبين، مع تنقية لوائح الناخبين من الموتى وغيرهم لضمان الحد الأدنى من نزاهة الانتخابات.
– العمل على منع الوسائل الإعلامية المسيطر عليها من القوى المالية والطائفية من التحريض على الفتنة الطائفية وإثارة النعرات والترويج للعدو والإسهام في تخريب العلاقات مع الدول العربية والصديقة، وتعزيز دور الإعلام الوطني والديمقراطي.
– الدفاع عن الحريات الديمقراطية والنضال لتكريسها وتوسيعها كي لا تبقى أداة ابتزاز بيد السلطة تطلقها لمن تشاء ومتى تشاء وتمنعها عمن تشاء، والحريات الديمقراطية تشمل حرية المعتقد والرأي والتظاهر والإضراب والتجمع… والتصدي لمحاولات النظام البرجوازي تقييد الحريات بالقوانين الجائرة والمتخلفة.
– تفعيل دور المنظمات الشبابية والطالبية في أماكن العمل والجامعات والمدارس وإشراكهم في القضايا المتعلقة بهم، للدفاع عن حقوقهم في العلم والعمل والدفاع عن الوطن ضد التدخل والعدوان الاميركي – الصهيوني.
إن تحقيق هذا البرنامج يتطلب إقامة أوسع تحالف سياسي – طبقي من اليسار والوطنيين والديمقراطيين للاتفاق على برنامج نضالي متعدد الأشكال والوسائل في القضايا السياسية والاجتماعية، وتعبئة أوسع الجماهير الشعبية لفرض تحقيقه على البرجوازية الحاكمة، المأزومة أصلا، وإفشال التوجه النيوليبرالي المتوحش الذي أدى حتى الآن إلى توسيع هامش الإفقار والبطالة والتهجير والقمع والفساد ضمن برنامج منهجي يوصل الإمبريالية إلى إحكام هيمنتها على الدول والشعوب ومنها لبنان، وإطلاق الحملات المناهضة للعولمة والداعية لمقاطعة المصالح والبضائع الاميركية والتضامن مع نضال الشعوب المقهورة ومع حركات التحرر الوطني وخلق الشروط المادية لقيام أممية ثورية في مواجهة الإمبريالية العالمية، وتلازم المهام الوطنية والأممية تلازم جدلي. والتحالف الثوري المنشود يجب بالضرورة أن تقوده الطبقة العاملة المتحالفة مع الفلاحين الفقراء وسائر الكادحين عبر أحزابها ومنظماتها وعلى أساس فكرها العلمي في سيرورة تاريخية تفضي إلى بناء الاشتراكية العلمية على أساس الديمقراطية الشعبية.