إنطلاقا من قناعتنا الراسخة براهنية وعلمية الفكر الماركسي– اللينيني لفهم تطور المجتمعات البشرية، ومختلف أشكال ونواحي الحياة الانسانية، كما لتحليل الازمات المتلاحقة التي تعصف بكبرى الدول الرأسمالية وملحقاتها من الانظمة التابعة، ومع إعادة تقييمنا الموضوعي المستمر لكافة التجارب الإشتراكية، ولا سيما تجربة الاتحاد السوفياتي.
وانطلاقا من فكرنا الأممي، وعروبتنا التقدمية والديمقراطية المحصنة ضد الشوفينية والتعصب، وتمسكنا بقضيتنا المركزية، القضية الفلسطينية، وعلى قاعدة أن لا نظرية ثورية بدون ممارسة ثورية تقوم على تلازم النضال الطبقي الاجتماعي مع النضال الوطني والكفاح المسلح بغية إحداث التغيير الثوري والجذري لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الحقيقية في مجتمعاتنا العاجزة عن التطور الطبيعي بفعل أنظمتها الكومبرادورية الرجعية التابعة للنظام الرأسمالي العالمي.
في الوضع الدولي:
يشهد العالم في الآونة الأخيرة تصدعات إقتصادية وإنهيارات مالية في معظم الأنظمة الرأسمالية الكبرى وملحقاتها، مع تحولات جذرية في دور وإستراتيجيات بعض الدول الكبرى لا سيما روسيا والصين، مع تفعيل دور مجموعة “البريكس” ومنظمة شنغهاي، وإزدياد حالات التمرد على الهيمنة والتبعية الإقتصادية والسياسية للإمبريالية الأميركية، والتي تجلت في التحولات السياسية والاقتصادية في عدد من بلدان أميركا اللاتينية ( فنزويلا- البرازيل- نيكاراغوا- بوليفيا وغيرها)، ما شكّل إسناداً ودعماً لصمود كوبا النموذج والثورة، وترافق مع انتصارات نوعية لحركات المقاومة المسلحة في لبنان وفلسطين والعراق، هذه التطورات وغيرها نفصلها فيما يلي:
1- في الأزمة الإقتصادية العالمية:
أثبتت الأزمة الإقتصادية الأخيرة عِلمية وصوابية الفكر الماركسي في فهم الأزمات الدورية والطارئة التي تعصف بالأنظمة الرأسمالية لا سيما كيفية تطور علاقات الإنتاج داخل هذه المجتمعات. وقد كان ملفتاً انكباب منظري الرأسمالية على إعادة قراءة الفكر الماركسي لفهم أزمات أنظمتهم وطرق تجاوزها، تماماً كما فعل أسلافهم لا سيما “كينز” خلال الأزمة الإقتصادية الكبرى عام 1929.
واستناداً إلى فكرنا الماركسي، فإن المجتمعات البشرية تتطور بنتيجة تفاعل “القوى المنتجة” (التي تشمل الأدوات والآلات والتكنولوجيا التي يخلقها العمل البشري) مع “علاقات الإنتاج” (وهي الطريقة التي يتم بها تنظيم الإنتاج وتوزعه على مستوى المجتمع).
وبالعودة إلى بدايات نشوء الأنظمة الرأسمالية بعد الثورة الصناعية، نجد أن الدول الرأسمالية الكبرى كانت تمتاز بقدراتها الإنتاجية الصناعية التحويلية والزراعية الضخمة، في إطار بنية “إقتصادية حقيقية” تقوم على حركة الأموال بين القطاعات الإقتصادية كافة (زراعة، صناعة، تجارة، وخدمات)، في إطار مننظومة قانونية وإقتصادية قادرة على ضبط حركة رؤوس الأموال وتوزعها داخل المجتمع الواحد أو الدولة الواحدة.
ومع تطور قوى الإنتاج وانتقال الرأسمالية الى مرحلة الامبريالية والتسارع في تمركز رأس المال وتوسع الاسواق، مترافقا مع تطور وسائل النقل والاتصال تحولت إقتصادات الدول الكبرى تدريجياً من “إقتصاد حقيقي” إلى “إقتصاد وهمي أو رقّمي” واتجاهها اكثر فاكثر نحو المضاربات المالية وحركة الأموال داخل الأسواق المالية، وبالتالي توزع الثروة بين كبرى المؤسسات المالية والمصارف المتخصصة والشركات الإحتكارية الكبرى، على حساب سائر القطاعات المنتجة.
وقد ترافق هذا التحول، مع سياسات تاتشر وريغان الإقتصادية التي تبنت فلسفة “فريدريش هايك” القائمة على فكفكة التخطيط المركزي للدولة ودور القطاع العام، مع إعتماد سياسة ممنهجة لإضعاف وضرب الإتحادات والنقابات العمالية. وهذا ما أنتج علاقات إنتاج جديدة داخل الأنظمة الرأسمالية الكبرى، فتعمّق الصراع والتفاوت الطبقي، ما أحدث تصدعات بنيوية في إقتصادات هذه الدول.
وعجزت حكومات الدول الرأسمالية الكبرى عن إيجاد الحلول أو إحداث أي تغيير في إقتصاداتها الوهمية المعولمة، كما عجزت عن ضبط حركة رؤوس الأموال وغطرسة الشركات الإحتكارية والمصارف الكبرى التي تفوق ميزانية الشركة الواحدة منها موازنات عدد من الدول الرأسمالية الكبرى. وعليه تحولت حكومات الدول الكبرى الى ادوات لتأمين ديمومة نهب الشركات الكبرى لأموال شعوب تلك الدول، ولثروات شعوب العالم.
وعليه، لم تتأخر حركة التاريخ طويلا لتُسقط مقولات مُنظّري الرأسمالية، ولا سيما “فوكوياما” حول نهاية التاريخ عند حدود ما أنجزته الولايات المتحدة بعد انهيار الإتحاد السوفياتي، وهو الذي اعترف في العام 2009 في كتابه “تحليل مستقبل الرأسمالية الأميركية”: ” لقد خسرنا كثيراً من قاعدتنا الصناعية، أمام القطاع الخدماتي الذي كان من المفترض أن يحل محلها إلا أنه ليس إلا سراباً”. فقد جاءت الأزمة الإقتصادية الأخيرة لتؤكد أكثر من أي وقت مضى امكانية نهاية تاريخ الرأسمالية خاصة في مرحلتها الأشد تطوراً وهي الإمبريالية. غير أن الرأسمالية المتوحشة ستبقى قادرة وبرغم أزمتها البنيوية، على إعادة انتاج منظومتها، ما لم تتصاعد نضالات الطبقة العاملة العالمية والتحركات الشعبية المتواصلة ضد الإستغلال والقهر الطبقيين، بالترافق مع حركات المقاومة المسلحة، والتي يجب أن تستفيد في المرحلة الراهنة من تقاطع مصالحها مع مصالح كل من روسيا والصين العائدتين بقوة الى الساحة الدولية، ومن صمود الثورة الكوبية والحيوية الثورية لشعوب اميركا اللاتينية.
2- في شيخوخة الولايات المتحدة:
سعت الإمبريالية الأميركية لتأخير حتمية الإنهيار الإقتصادي، باستخدام القوة العسكرية والإحتلال المباشر وغير المباشر للدول، ونشر الجيوش والقواعد العسكرية في كل أصقاع الأرض، واعتماد استراتيجية “الفوضى الخلاقة” بين الدول أو داخل الدولة الواحدة لإشعال الحروب والصراعات الطائفية والمذهبية والإثنية والعرقية، ورسم الخرائط الجيو– سياسية الجديدة في مناطق مختلفة من العالم، خاصة في منطقتنا العربية تحت مسمّى الشرق الاوسط الجديد، والمقدّر له اميركيا ان يكون بقيادة الكيان الصهيوني، بغية السيطرة على مصادر الطاقة وثروات الشعوب ونهبها. وقد زادت الامبريالية من وتيرة دعم قوى التطرف والارهاب كجيش احتياطي للتدخل في شؤون الدول لتقسيمها وتفجير الصراعات الداخلية فيها، ولمواجهة قوى التقدم والتحرر الوطني في منطقتنا والعالم.
كما حاولت أن تستفيد من كون الدولار الأميركي ما زال العملة العالمية المهيمنة، بحيث ظلت الدول الكبرى وكذلك الصاعدة منها لا سيما الصين والدول النفطية تستثمر فائض عملاتها من الدولارات في الأسواق والمصارف الأميركية ما انعش الإقتصاد الأميركي نسبياً. غير ان زيادة حجم المديونية الاميركية ستنعكس سلباً على النمو الإقتصادي الأميركي، كما على زيادة معدلات التضخم، وستؤدي حتماً إلى زيادة الضرائب وزيادة خدمة الدين ما سيدفع الادارات الأميركية إلى تحميله للفئات الشعبية، وبالتالي تراجع مستوى المعيشة، وارتفاع البطالة، وتعمق التفاوت الطبقي داخل المجتمع الأميركي.
أما على مستوى التعليم والبحث العلمي، وهو أحد أهم عوامل تنافسية الإقتصاد الأميركي وقوته بين دول العالم، حتى أن أوباما قال “إن الدولة التي ستتفوق علينا في التعليم اليوم، ستتفوق علينا إقتصادياً” وذلك لكون الإقتصاد المعولم يرتكز اليوم على “المعرفة”. في هذا المجال شهدت الولايات المتحدة، بعد ان كانت ولفترة طويلة متفوقة عالمياً، تراجعا في مكانتها في السنوات الأخيرة، مقابل صعود دول أخرى أهمها الهند والصين. ومع بداية الأزمة الإقتصادية، تراجع إنفاق الادارات الأميركية على البحث والتطوير العلمي، بالمقارنة مع ما تنفقه الصين والهند، ما قد يؤثر على مكانتها الإقتصادية عالمياً.
أما عسكرياً، رفعت إدارة أوباما شعار القيادة من الخلف “Leading From Behind” وبالتالي قررت تقليص حجم إلتزاماتها العسكرية، وهذا ما ثبُت بعد التهديد بتوجيه ضربة إلى سوريا، وبتوقيع التفاهم النووي مع إيران، إن حجم الأزمة الإقتصادية الأميركية وصعود دول كبرى كالصين والهند وروسيا، سيضعف قدرات الولايات المتحدة على شن الحروب أو حتى توجيه الضربات العسكرية المحدودة مع الحد من حجم الإنفاق العسكري.
كل ذلك لا يعني سقوط الإمبريالية الأميركية وإنهيارها بل سقوط سيطرة القطب الواحد، فهي ما زالت تملك من القوة والقدرات ما يكفي لكي تكون قوة كبرى لكن في عالم متعدد الأقطاب، وفي ظل موازين قوى سياسية واقتصادية وعسكرية مختلفة كثيرا عن السابق.
3- التحولات في الدور الروسي الخارجي:
بعد انكفاء قارَب العقديْن من السنين، تلا سقوط الاتحاد السوفيتي، تعرض خلالها كيان الاتحاد الروسي لمشاكل لا حصر لها لأسباب ومسببات كثيرة أبرزها الفساد الممنهج الذي عمّ الدولة الروسية ايام حكم بوريس يلتسين حين نصّب الغرب الامبريالي رجال المافيات الروسية في سدة الحكم، فقضوا على المكتسبات الاشتراكية، ودمروا مقومات الاقتصاد الروسي، وخاصة الصناعي، وعرضوا كل إرث الإتحاد السوفياتي للبيع بما في ذلك البشر والتاريخ والإنجازات العلمية، واستُتبعوا للنظام الرأسمالي العالمي.
كما سعت الولايات المتحدة والمؤسسات الدولية لتحويل روسيا إلى مستعمرة تصدّر الثروات الخام، وتتوسل المساعدات المالية، وتجميد القطاعات التقنية العلمية والصناعات القائمة على تحويل الثروات الخام، وتعديل النظم القانونية والاقتصادية بما يتناسب مع مصالح رؤوس الأموال العابرة للحدود، وبالتالي القضاء على الإقتصاد الانتاجي الروسي.
وقادت الولايات المتحدة بالتعاون مع قوى روسية داخلية عمليات تفكيك المجتمع الروسي من الداخل، ففجرت الازمة الشيشانية وأعطت الصراع طابعاً دينياً، وتجرّأ الحلف الاطلسي على التعدي على مناطق نفوذ الاتحاد السوفياتي السابق، من خلال توسيع حلف الناتو شرقاً لضم دول الاتحاد السوفياتي والمنظومة الإشتراكية السابقة، تمهيداً لضمها للاتحاد الاوربي لاحقا، ما شكل تهديداً مباشراً للأمن القومي الروسي.
وعلى الرغم من ان الدور الروسي كان مرتبكاً وضبابياً، بفعل مواجهة المشكلات المعقدة الموروثة عن حقبة الاتحاد السوفياتي وعن فترة حكم يلتسين، الا ان وصول فلاديمير بوتين لسدة الحكم كمعبّر عن المشروع القومي الروسي، كان ايذاناً بإعادة بناء الفعالية الروسية على المستويين الداخلي والدولي، فعمل مع ادارته على اعادة بناء الاقتصاد الروسي، وصيانة السلاح النووي، والنهوض بالصناعات والقدرات العسكرية المتجددة وتحديث الجيش، في برنامج واضح لاستعادة امجاد الدولة السوفياتية وان في اطار الاتحاد الروسي، وخاصة في مجالي الاقتصاد والامن القومي. فعالجت إدارة بوتين مشكلات الدين العام، واعادة اطلاق مشاريع التنمية، ومكافحة عصابات المافيا الروسية، واعادت الإستقرار للمجتمع الروسي، واعادت معظم الثروات الوطنية والقطاعات الاستراتيجية الى سيطرة الدولة وإشرافها. وبذلك اعادت الادارة الروسية بقيادة بوتين عوامل القوة لروسيا، واعادت فرض إحترامها كقوة كبرى في العالم نتيجة لتحسن وضعها الاقتصادي واستقرار وضعها السياسي، وهيبة قواتها العسكرية التي كانت وصلت الى ادنى المستويات بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
وبالإضافة إلى ما تقدم، تمسك روسيا سلاحاً استراتيجياً مهماً، وهو الغاز، الذي تملك احتياطاً كبيراً منه. وتُعتبر روسيا المصدر الرئيسي الذي يمد أوروبا به، وهي تستخدم سلاح الطاقة لتعزيز موقعها الاقليمي والدولي، والتأثير في الخيارات الاقتصادية الاوروبية، وما الازمة مع اوكرانيا في العام 2008 في أعقاب أزمة الغاز، الا مؤشرا حيويا عن موقع روسيا العالمي الجديد. ان استراتيجية الطاقة الروسية فرضت على الامبريالية الاميركية والغرب الاستعماري ومعه بعض الدول النفطية العربية تعديل وتأجيل بناء مشروع خط “نابوكو” المقدر له نقل الغاز من بحر قزوين إلى تركيا لتغذية أوروبا، كبديل عن الغاز الروسي. فروسيا تبذل كل طاقاتها وقدراتها لمنع إمداد أوروبا بغاز الشرق الأوسط، لا سيما الغاز القطري، ولو فشلت روسيا بذلك فإنها ستكون عرضة لخسائر كبيرة وعجز في ميزانها التجاري بالإضافة إلى ضعف دورها السياسي ليس على مستوى الشرق الأوسط وحسب بل على المستوى العالمي. وهذا ما يشكل أحد أبرز الأسباب لمواقف روسيا الصلبة والحاسمة في ما يتعلق بالأزمة السورية.
ومنذ العام 2008 بدأت روسيا انعطافة مهمة باتجاه القطيعة مع حالة الضعف التي مرت بها منذ تفكك وانهيار الاتحاد السوفياتي مستفيدة من تخبط الاميريكيين في أفغانستان، وبوادر خسارتهم في العراق، بينما كانت روسيا توطد علاقاتها مع ايران وتساعد في تطوير برنامجها النووي السلمي، وتمد خطوط انفتاحها مع العراق. كما استفادت روسيا من تفاقم الأزمة الاقتصادية للنظام الرأسمالي فاستعادت بعض دول الاتحاد السوفياتي السابق الى دائرة نفوذها.
كما عملت روسيا على تطوير علاقاتها بالصين والجوار الآسيوي، وصولاً الى الهند، التي تتمتع بعلاقات تاريخية مع موسكو، تعود لايام الاتحاد السوفياتي، ما مكّنها من استخدام الفيتو المزدوج مع الصين في مجلس الأمن، ولمرتين خلال فترة وجيزة، وفي القضية نفسها، وهو الدليل على نهاية مرحلة التفرد والهيمنة الأميركية على النظام الدولي. إلا أننا نعي تماماً أن روسيا اليوم هي ليست روسيا البلشيفية، وإنما هي إحدى الدول الرأسمالية الكبرى التي تبني سياستها الخارجية وفقاً لمصالحها الاستراتيجية، كما ان الصين كيّفت سياساتها الاقتصادية وعلاقاتها الدولية وخلقت نموذجا “إشتراكياً” خاصاً حافظت من خلاله على المنحى الانساني في تجربتها الاشتراكية ما مكّنها من مواجهة استفرادها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وعليه، فإن جدوى تنامي الدور الروسي، وكذلك الصيني، على الساحة الدولية بالنسبة لشعوب العالم المقهورة يقوم على إنشاء عالم متعدد الاقطاب، يتيح لهذه الشعوب التحرر تدريجياً من الهيمنة الأميركية.
4- في تنامي الدور الصيني الخارجي:
إن تنامي الدور الخارجي للعملاق الآسيوي اقتصادياً، معتمداً على ضوابط وأسس التجربة الاشتراكية، وقدراته الهائلة على الإستحواذ وتقديم الإغراءات المالية وإغراق الأسواق بالسلع الرخيصة، وبتحالفاته المتنامية مع روسيا والهند، وبوجوده في مجموعة “البريكس” ومنظمة شنغهاي، كل ذلك أهّل الصين لأداء دور فعّال ومحرِّك في الاقتصاد العالمي، وهذا ما سيمكنها من ترجمة قوتها ووزنها الى دور سياسي وعسكري على الصعيد الدولي، وسيجعلها قطباً اقتصادياً في مواجهة الولايات المتحدة. فبعد أن بسطت نفوذها الإقتصادي على القارة الآسيوية، برغم المنافسة الهندية واليابانية القوية لها، بدأ النفوذ الصيني يتسع إلى مناطق مختلفة من العالم لا سيما القارة الإفريقية، وأميركا اللاتينية، بل انه امتد أيضًا إلى بعض المناطق في القارة الأوروبية.
إقتصادياً؛ يتجه الاقتصاد الصيني نحو انتزاع زعامة الاقتصاد العالمي من نظيره الأمريكي في خلال بضع سنوات على الأكثر، وذلك بعد أن تغلب على الإقتصاد الياباني ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وتوقع صندوق النقد الدولي أن يتجاوز حجم اقتصاد الصين بحلول عام 2016 نظيره الأمريكي من حيث تعادل القوة الشرائية.
إن تعاظم قوة الصين الاقتصادية جعلها تلعب دوراً مؤثراً في تحريك الإقتصاد العالمي، وفي مواجهة الأزمات الإقتصادية في أوروبا وآسيا، وحتى في الولايات المتحدة، التي باتت تعد أكبر مَدين للصين، ما يمنح الصين ورقة ضغط هائلة بوجه الولايات المتحدة والدول الأوروبية. كما أسهمت بكين من خلال خطة الحوافز الهائلة التي نفذتها في أن تتجاوز آسيا الأزمة المالية العالمية نسبيا.
إن رقعة النفوذ الإقتصادي الصيني يتسع بشكل هائل في كل من أميركا اللاتينية وإفريقيا حتى تجاوزت الاستثمارات الصينية في إفريقيا الـ 70 مليار دولار بينما لا تشكل الاستثمارات الأمريكية أكثر من 15 % من هذا المبلغ.
وقد فرض التطور الاقتصادي على الصين تزايد الحاجة الى الموارد الطبيعية وبخاصة الطاقة من نفط وغاز، حتى باتت ثاني اكبر مستهلك للطاقة، بينما يُتوقع ان تحتل المركز الاول في العام القادم. وتُعدّ الطاقة بمثابة المفتاح الرئيسي للتنمية الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي فى الصين، إذ أصبح تأمين الطاقة بالنسبة لها بمثابة أمن قومي صيني لا يمكن تجاوزه أو التعدي عليه. تعاظُم دور الصين في أسواق النفط العالمية ادى لابرامها اتفاقات شراكة شاملة في مناطق النفط الرئيسية في العالم وعلى الأخص أفريقيا في شرقها وغربها، وفي أميركا اللاتينية خاصة فنزويلا (حيث اشترت الصين من فنزويلا حاجتها من النفط الفنزويلي لعشرين عاماً قادماً!!). هذا إلى جانب إتفاقياتها مع إيران وغيرها من دول الخليج والشرق الأوسط، مما جعلها تتبوأ مركزاً متميزاً في سباق الطاقة العالمي.
واصبحت الصين مضطرة الى حماية مصالحها وتأمين هذه الموارد في مصادرها وخطوط نقلها عبر البحار او اليابسة. وكذلك هي بحاجة الى الاسواق لتصدير انتاجها الصناعي والزراعي وغيرهما، وهذا ما فرض عليها ان تدخل كلاعب جيو- استراتيجي على مستوى عالم اليوم، وأن تنشر قواتها في البر والبحر لحماية اساطيلها التجارية، ولحماية مصادرها من الطاقة ومصالحها في الدول المعرضة لمخاطر قد تهدد استمرار وصول هذه الموارد.
عسكرياً؛ تعتبر الصين ثالث قوة عسكرية في العالم بعد الولايات المتحدة الاميركية وروسيا الاتحادية، ومع بداية العام 2002، عملت جمهورية الصين الشعبية على تحديث جيشها ليتلاءم مع التطور التقني وتحديات العصر، بغية تأمين حدودها والدفاع عن أراضيها وتشكيل محيطها الإقليمي بشكل يسمح لها باستمرار النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية، ولمواجهة التحديات والمخاطر التي تواجهها ولا سيما طول حدودها البرية، ومشكلة تايوان والحركات الإنفصالية في بعض أقاليمها، بالإضافة إلى حماية مصادر الطاقة وخطوط الإمداد والنقل.
وبدأت الصين تكثف تواجدها العسكري في المحيط الهندي الممتد من السواحل الرئيسية للصين حتى مضيق “ملقا” جنوب بحر الصين، وتمكنت من بناء علاقات استراتيجية مع الدول المطلّة على المحيط الهندي خاصة باكستان وبورما. علماً أن التعاون العسكري الكبير بين الصين وباكستان يشكل حلقة شائكة فى موضوع العلاقات الهندية- الصينية المستجدة. كما جاء التعاون الروسي- الصيني الجديد ليشمل العديد من القضايا ومنها التسلّح العسكري، والتنسيق السياسي والدبلوماسي في القضايا الدولية، وليرسم خارطة جديدة من التحالفات تنهي نظام القطب الواحد وتُنشئ عالماً جديداً قائماً على التعددية القطبية.
5- في خارطة التحالفات الإستراتيجية الدولية:
التحولات في العلاقات الروسية الصينية: إن التحديات الجيو- سياسية والجيو- استراتيجية على مسرح روسيا الحيوي، والامتداد التوسّعي لحلف الناتو شرقاً، والجهود الواضحة للولايات المتّحدة لتقويض التأثير والنفوذ الروسي والصيني في آسيا الوسطى ومناطق أخرى، ومعارضة روسيا والصين لمشروع الدرع الصاروخي الاميركي بدعوى حماية الأراضي الأميركية من هجمات محتملة قد تشنّها دول مثل إيران وكوريا الديمقراطية، كما أن نمو صادرات روسيا من النفط مقابل ارتفاع استهلاك الصين للطاقة، والنجاح في تسوية مشاكل الحدود بينهما بشكل نهائي، كل ذلك زاد من عزيمة الطرفين على توثيق علاقاتهما بهدف مواجهة التفرّد الأميركي ولتحقيق عالم متعدّد الأقطاب مع ضرورة إنشاء نظام عالمي جديد.
واحتل مشروع إنشاء المصرف الإنمائي الذي اقترحته مجموعة دول البريكس صدى ايجابياً لدى الدول الفقيرة الرازحة تحت وطأة المديونية الهائلة، هذه المديونية التي تستعملها الامبريالية للضغط على هذه الدول وفرض الاملاءات الاقتصادية والسياسية عليها، ان مشروع المصرف الانمائي يفترض أن يشكل منعطفاً حقيقياً في مسار سحب بساط السيطرة الاقتصادية، حيث يساعد المصرف في التخلص من التبعية للبنك الدولي وصندوق النقد وارتباط التجارة الدولية بالدولار الاميركي، ويفترض أن يبدأ المصرف الجديد عمله برأسمال قدره 50 مليار دولار بحسب الدراسات. وعليه، فإن دول البريكس تملك الكثير من اسباب القوة التي تمكنها من لعب دور فاعل وحاسم في الإقتصاد العالمي، وفي إعادة التوازن العالمي وفي الحد من تفرد وهيمنة الدول الصناعية السبع الكبرى، تمهيداً لإنشاء نظام سياسي وإقتصادي جديد.
ومع اشتداد الأزمات الإقتصادية العالمية وفي ظل انكشاف هشاشة البنى الإقتصادية والإجتماعية والثقافية للرأسمالية العالمية من خلال الإنهيار الكبير الناتج عن أزماتها المتراكمة، المولدة للمآسي والكوارث الانسانية كالفقر والبطالة والأمية ومديونية الدول الفقيرة ومنهجية التخريب البيئي، وكنتيجة للتوازنات الدولية الجديدة وبداية تشكل نظام عالمي جديد متعدد الاقطاب، بات لزاماً على الحركة الشيوعية والثورية العالمية، وحركات التحرر العالمية وقوى المقاومة المسلحة إلتقاط الفرصة لتوحيد وتصعيد النضال الوطني والطبقي بقيادة الطبقة العاملة العالمية، وخلق الأطر والمنظمات الجبهوية والتنسيقية لتعميم النضال الوطني والطبقي عالميا، حيث تزداد امكانية إحداث التحولات الثورية وتكريس الديمقراطية الشعبية في العديد من الدول التابعة، كمقدمة لبناء جبهة أممية مناضلة، وإعادة الإعتبار للفكر الإشتراكي العلمي وبالتالي للمشروع الإشتراكي العالمي.
في الوضع العربي والإقليمي:
انفجار موجات الغضب الشعبي في وطننا العربي ومحاولات الإمبريالية الأميركية والرجعية العربية ركوب هذه الموجات وحرفِها عن تحقيق أهدافها في الحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية، كانت سمات التحول الذي تشهده منطقتنا العربية منذ ثلاث سنوات، وإن كان التركيز يجري على سوريا لإخضاعها وشل دورها في إسناد حركة المقاومة، بعد فشل العدو الصهيوني الذريع في ضرب المقاومة في لبنان وفلسطين،
ورغم كل ما يجري في منطقتنا العربية من مخاض عنيف وتغييرات جوهرية تبقى قضيتان أساسيتان تحكمان موقفنا من المسألة القومية، أولاً: قضية تحرير كامل فلسطين من الإحتلال الإستيطاني الصهيوني، وثانياً: قضية الوحدة العربية بإرادة شعبية ديمقراطية وطوعية.
ربيع عربي أم…
على أعتاب تشكل عالم جديد، إنفجرت موجات الغضب الشعبي العربي في تونس ومصر والبحرين ضد أنظمة الفساد والإستبداد والتبعية بعد سبات طويل أوحى أن هذه الأنظمة والمجتمعات عصية على التغيير، ففاجأت الحركة الشعبية مع تراكم نضالاتها الاجتماعية، خاصة في تونس ومصر الغرب الإمبريالي والولايات المتحدة الأميركية تحديداً حيث تهاوى رأسا هذين النظامين. وبدأ البحث الأميركي عن المخارج للتقليل من الخسائر، فجرى الإلتفاف على أهداف الحركة الشعبية وقُطعت الطريق على تبلور الحركة الثورية وبرنامجها للتغيير الشامل، فكان أن جرى الإعتماد على القوة المنظمة وذات القاعدة الشعبية الوحيدة في البلدين وهي جماعة “الأخوان المسلمين”، والتي هي نتاج الإستعمار البريطاني أبتداءً والأميركي لاحقاً، في مواجهة المشروع العربي النهضوي الديمقراطي ومشروع الوحدة العربية.
ان البرنامج الاميركي بالاعتماد على قوى الاسلام السياسي، ممثلة بجماعة الاخوان المسلمين، استند الى مجموعة اعتبارات فرضتها التطورات المفاجئة في الواقع العربي، أولها: بعد انفجار الدول التابعة (مصر، تونس…) كان لا بد اميركيا من تفجير الدول العربية المستقلة عن الارادة الاميركية (سوريا)، او المتمايزة نسبيا عن السياسة الاميركية (ليبيا، اليمن، الجزائر)، او الدول التي تحمل في بنيتها الاجتماعية تناقضات توظف لتأجيج الصراعات المذهبية (البحرين). ثانيها: محاولة تعميم النموذج التركي كدولة يحكمها الاخوان المسلمون، منفتحة على الغرب وتابعة له، ومتحالفة استراتيجيا مع العدو الصهيوني، وتحمل تراثاً ديمقراطياً ورثته من التجربة العلمانية الاتاتوركية منذ قيام الدولة التركية. ثالثها: ان الولايات المتحدة كانت عاجزة بعد الحراك الشعبي مباشرة عن ايصال العسكر الى الحكم لما يمثله ذلك من استفزاز لمشاعر وآمال الشعوب المنتفضة ضد القهر والاستبداد.
إذاً، اعتُمدت هذه الجماعة في السلطة على ان تطعّم ليبرالياً مع خلفية عسكرية، لمسك الأوضاع في تونس ومصر حتى ريثما يتسنى للولايات المتحدة إعادة ترتيب الأوضاع في هذه الدول، وهكذا كان، وما أن جرت تهدئة الأمور في مصر تحديداً حتى فجّرت الإمبريالية الأوضاع في ليبيا واليمن، وحاولت في الجزائر، وبات المشروع الأميركي يرتكز على برنامج تفجير الفوضى الشاملة في المنطقة على قاعدة ضعف أو غياب البديل الثوري، فتصدّرت المشهد السياسي الجديد قوى الإسلام السياسي، التي تتقاطع مع الإمبريالية في السياسة والإقتصاد والإجتماع والثقافة.
تصاعد الرفض الشعبي لحكم الأخوان المسلمين، خاصة في مصر ومن ثم في تونس، بسبب سياسة الاستئثار بالسلطة واستبعاد القوى المشاركة في “الثورة”، وتمسك الأخوان بنفس النهج الذي اعتمده نظام حسني مبارك أكان في السياسات الإقتصادية والإجتماعية بالسيطرة على مفاصل الإقتصاد المصري وتعميق دور القطاعات الريعية على حساب القطاعات الإنتاجية، وفي ظل العجز عن حل مشكلات البطالة والفقر والسكن والأجور والحريات… أو في القضية الوطنية والقومية من خلال إعلانهم الإلتزام باتفاقات كامب دايفيد المبرم مع الكيان الصهيوني والغرب الإمبريالي. وهي قضايا أساسية كانت من محفزات الحراك الشبابي والشعبي.
ومع تنامي الرفض السياسي والشعبي لحكم الاخوان إنفتح الأفق لحركة نضالية منظمة تحمل إمكانية بلورة البديل الثوري، لكن الولايات المتحدة لجأت مجدداً الى التخلي عن “الأخوان” وساعدت في إزاحتهم عن واجهة السلطة، فساعدت على إيصال العسكر الى الحكم بواجهة ليبرالية، مبقيةً في الوقت نفسه على حركة الأخوان كقوة معطِّلة ومعرقِلة لقيام نظام مستقر، على قاعدة إشاعة الفوضى في مصر وإضعاف كافة الأطراف منعاً لعودة مصر الى موقعها ودورها العربي.
الحرب على المقاومة من بوابة سوريا
عمّت الفوضى الشاملة عالمنا العربي في محاولة أميركية لإستنقاذ الأنظمة العربية التابعة، لكن هذه الفوضى لن تحقق أهداف الإمبريالية ما لم تصل الى عقر دار المقاومة، فكان لا بد لها من استهداف محور المقاومة من البوابة السورية، وإذا كانت بداية الأزمة في سوريا قد ظهرت على هيئة حراك شعبي محق بمطالبه الإصلاحية والتغييرية، إلا أن الغرب الإمبريالي سارع الى قطع الطريق على هذا الحراك كي لا يتحول الى حراك يؤدي بالتفاهم أو بالصراع مع النظام الى حالة وطنية قومية تقدمية، لن يكون تموضعها الطبيعي والحتمي إلا في موقع المقاومة والمواجهة للمشروع الاميركي – الصهيوني، وخشية من أن تتحول هذه الحالة الى قوة تجذير وتثوير لهذا المحور، مستندة الى قاعدة شعبية عريضة تتمتع بالحريات السياسية والحقوق الإقتصادية والعدالة الإجتماعية والكرامة الوطنية.
لذلك سارعت القوى الدولية والرجعية العربية المعادية لسوريا ولشعبها ولخياراته الوطنية والقومية الى الدفع باتجاه عسكرة الحراك الشعبي منذ اللحظات الأولى، مستفيدة من النزعة الأمنية للنظام السوري، فكان العنف الارهابي بقيادة الامبريالية والدعم الصهيوني والخليجي يستهدف تدمير سوريا الدولة، وشل دورها الحاضن لقوى المقاومة لإراحة “إسرائيل”، وضرب التحالف الاستراتيجي بين سوريا وإيران، وقطع الطريق على التقدم الروسي الصيني الى المنطقة من البوابة السورية.
إذاً، الحرب الكونية على سوريا لم تكن منذ البداية تستهدف إصلاحاً، كما أنها لم تعد أزمة داخلية بين ثنائي النظام- المعارضة، بل هي تركيز للصراع الدولي بين نظام عالمي قديم يتهاوى وآخر جديد ينهض، وها هي قوى العدوان قد استجلبت جحافل وعصابات المرتزِقة الإجرامية والتكفيرية من جميع أنحاء الأرض ووضعت في تصرفها كل الدعم المالي والتسليحي والإعلامي.
إلا أن صمود سوريا شعبا وقيادة وجيشاً ومعها المقاومة وإيران، شجع روسيا والصين على الذهاب في المواجهة مع الغرب الى نهاياتها، ما أفشل مشروع العدوان على سوريا والمنطقة، ومنعَ إسقاط محور المقاومة، وأجبر أميركا أولاً على التراجع عن التهديدات بالحرب، بل وعلى التسليم بالحل السلمي عبر مؤتمر جنيف، وثانياً على البحث في تسوية أزمات المنطقة (بضغط روسي) في حزمة متكاملة من سوريا الى إيران والعراق ولبنان والقضية الفلسطينة والتي لن تبقى ورقة بيد الولايات المتحدة، بل سينعكس التوازن الدولي الجديد على قضية فلسطين بغض النظر عن موقف القيادة الرسمية الفلسطينية، وما بداية التفاهم الأميركي- الإيراني والإتفاق حول الملف الكيماوي السوري إلا مؤشرات حيوية للتسويات القادمة والتي لن تكون على حساب دول المنطقة وشعوبها، ولا على حساب القوى الوطنية والثورية المقاوِمة، بل إننا نرى القلق والخشية من بوادر هذه التسويات القادمة يخيمان على الصهاينة والخليجيين والأوروبيين.
ويمثل مؤتمر جنيف-2 بداية مسار سياسي طويل لحل الازمة السورية بشقها الداخلي، والذي لا يمثل واقعياً الا جزاً صغيراً من مجموع عناصر هذه الازمة، والتي يشكل التدخل الغربي والعربي الجانب الاكبر والاخطر فيها، وسيصل مؤتمر جنيف، وبدأ بالوصول، الى تظهير قناعة الدولة السورية وجديتها في السعي الى احباط الحرب العدوانية على سوريا، وفي المقابل تظهير تهافت وفد المعارضة للوصول الى المشاركة في السلطة بأي ثمن، ولا بد ان تصل هذه المباحثات الى تدخل الأصيل (الاميركي) مكان الوكيل (الائتلاف) في مجال وقف العدوان وتمويل وتسليح الارهاب، خاصة ان أغلبية اطراف المعارضة السورية غير ممثلة في الوفد المفاوض في جنيف، اضف الى ذلك ان هذا الائتلاف لا يمثل ميدانيا الا مجموعات محدودة لا تملك قرار وقف القتال، مع طغيان القوى التكفيرية، وخاصة المرتبطة بتنظيم القاعدة، وبقيادة سعودية، على المشهد العسكري في مواجهة الدولة السورية. كما ان الموقف الاميركي الذي يدّعي العمل على محاربة الارهاب، والموقف السعودي من المقاتلين الاجانب والعرب في سوريا لا يستهدف وقف العدوان، انما هو امر عمليات اميركي– خليجي لهذه المجموعات لاستمرار القتال بهدف خلق وقائع ميدانية على الارض لتحسين مواقعها السياسية، ولن تنجح في ذلك، او بانتظار جلاء مفاوضات جنيف وتبلور الحل السياسي.
إننا في خضم صراع سيُفضي الى توازن دولي جديد يحد من الهجوم الإمبريالي الغربي، ويشكل مظلة واقية لقوى التحرر في العالم. ومع وعينا الثوري والعلمي لطبيعة القوى الدولية المتصارعة، إذ ان روسيا الإتحادية ليست الإتحاد السوفياتي، والصين ليست النظام الإشتراكي الذي نعرفه، والعلاقات بين هذه الدول والقوى والشعوب المناضلة ليست قائمة على المبادئ والقيم الثورية والإنسانية، بل هي قائمة على قاعدة المصالح المشتركة والمتقاطعة، نرى أن على قوى الثورة والتحرر الوطني العالمية بناء تحالفاتها وعلاقاتها مع هذه الدول على هذا الأساس والإستفادة القصوى من التوازن الدولي لإنجاز مهامها التاريخية.
القضية المركزية: تحرير كامل فلسطيـن
إن تطورات الصراع العربي– الصهيوني تؤشر الى تراجع الدور الوظيفي للكيان الصهيوني، حيث ترسم إنجازات المقاومة الفلسطينية واللبنانية أفقاً استراتيجياً لزواله، باعتبار هذا الكيان الذي زُرع في منطقتنا العربية انما هو قاعدة عسكرية عدوانية متقدمة للإمبريالية وللنظام الرأسمالي العالمي، لـتأمين مصالحه الإقتصادية والسياسية خاصة مع اكتشاف احتياطات النفط بكميات كبيرة، ولأهمية الموقع الجغرافي والسياسي والثقافي للمنطقة، ولإثارة الفتن والإنقسامات والنزاعات بين مكونات المنطقة العربية، وليشكل الهراوة الغليظة ضد محاولات التنمية الحقيقية والتوحد الطبيعي للمجتمعات العربية.
وقد اسهم النظام الرسمي العربي في تعزيز وجود الكيان الصهيوني وحمايته من خلال قمع شعوبه وشل قدراتها النضالية وضرب الحريات العامة وإلغاء الحياة الديمقراطية وتشديد الإستغلال والقهر الطبقيين متذرعاً بشعار “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”، وتمادى في تبعيته للإمبريالية وتآمره على قوى المقاومة، في الوقت الذي لم يحاول هذا النظام- حتى مجرد محاولة- بناء القدرات العسكرية والبشرية والمادية لخوض الحرب التي نظّر لها طويلاً. ولئن كسرت الجماهير العربية حالة الإحباط معتمدة على وعيها واراداتها عبر انخراطها في خيار المقاومة المسلحة، إلا أنه سرعان ما جرى الإلتفاف على حركة التحرر الوطني العربية وعلى برنامجها الثوري من خلال إمساك قوى اليمين العربي والفلسطيني تحديداً بناصية القيادة، وإخضاع المقاومة وبرنامجها الى منطق التفاوض والمساومة، وعلى هذا الأساس جرت محاصرة وإضعاف القوى اليسارية والثورية العربية لشل دورها وتأطيرها في المشروع الوطني، لكن الأزمة البنيوية التي لازمت اليسار وكذلك قصور رؤيته لدوره في القيادة، ومساومته مع اليمين، ساهما أيضاً في إقصائه.
في الوحدة العربية:
دفعت الحركة الشيوعية العربية أثماناً باهظة نتيجة موقفها الخاطئ من المسألة القومية والوحدة العربية، الذي ينمُّ عن خلل واضح في الفهم الثوري للمسألة القومية.
إن تمايز حزبنا في هذا المجال ينبع من فهمنا للترابط الجدلي بين قضيتي تحرير فلسطين والوحدة العربية، على اساس أن احتلال فلسطين جزء من ضمن مشروع استعماري كولونيالي، لتفتيت الوطن العربي وتجزأته، وكاستمرار لمفاعيل سايكس- بيكو، إذ إن الإحتلال والتجزأة هما وجهان لمشروع إستعماري واحد، وهذا يتطلب تحديداً علمياً للتناقض الرئيسي، الذي هو مع الإمبريالية العالمية والصهيونية كجزء مكوِّن للرأسمالية العالمية.
فالمصالح المشتركة للأمة العربية، السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية، والمخاطر المحدقة تستوجب من الشيوعيين والثوريين وكل الوطنيين الإلتفاف حول الخيار الوحيد المطروح على جدول الأعمال: خيار المقاومة بكل أشكالها، المدنية والثقافية والشعبية وبالتحديد العسكرية، لبناء مجتمع المقاومة العربي بعيدا عن التعصب الشوفيني والعنصري، وعلى قاعدة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ومغادرة الأوهام حول إمكانية التسوية مع كيان العدو.
إن تبني خيار المقاومة للتحرير والتغيير يتطلب وقفة نقدية جريئة لأطراف حركة التحرر الوطني العربية لتقويم تجاربها، والتقدم الى الامام على أساس برنامج شامل للتغيير الثوري يوحّد قواها حول مواجهة المشروع الامبريالي وتحرير فلسطين، كل فلسطين، وإقامة السلطة الوطنية الديمقراطية المستقلة فوق كل شبر من الارض يتحرر بالمقاومة.
إن بلورة رؤية علمية لمشروع التوحد العربي كخيار ديمقراطي وطوعي، على اساس المصالح المشتركة والروابط الاجتماعية والثقافية، عدا عن كونه يمثل الأمل للجماهير العربية ولقواها المناضلة، فهو في الوقت نفسه الرد الثوري على مشاريع التفتيت والتقسيم الإمبريالية المعادية لآمال وطموحات شعوبنا وخاصة مشروع الشرق الأوسط الجديد، والتي تجلت في تقسيم السودان والحروب المفتوحة على كامل اراضيه، ومحاولات تفتيت العراق الى دويلات متناحرة كنتيجة للاحتلال الاميركي والغربي ولمصلحة دول الخليج، واليوم يجري التحاصص الداخلي والخارجي لتقسيم اليمن الى “اقاليم” متنازعة ارست قاعدتها المبادرة السعودية والخليجية في اليمن. ان احباط التآمر الغربي والرجعي العربي على منطقتنا يكون من خلال إعادة بناء حركة التحرر الوطني العربية بقيادة ثورية تتحمل مسؤولياتها التاريخية لإنجاز التحرر الوطني والإجتماعي والوحدة، وبناء النظام العربي الجديد المتحالف والمتضامن من موقعه الأممي مع نضال الشعوب المقهورة.
في الوضع اللبناني:
بين البرجوازية والطبقة العاملة كما بين الطائفية والعلمانية كما بين الإحتلال والمقاومة، ليس من موقع حيادي، ولا قيام لمشروع البديل الثوري إلا بربط القضية الوطنية بالقضية الإجتماعية.
عناوين البديل الثوري: تبني خيار المقاومة والتمسك بسلاحها، التغيير الجذري للنظام البرجوازي الطائفي وتحقيق العلمنة الشاملة، بناء حركة نقابية كفاحية، اقتصاد وطني منتج، عدالة اجتماعية، ديمقراطية شعبية…
طبيعة النظام اللبناني
لتحديد الموقف مما يجري على الساحة اللبنانية، لا بد من العودة لتحليل بنية النظام اللبناني البرجوازي الطائفي، فهذا النظام لم يدخل في سيرورة التطور التاريخي للإنتقال من مرحلة الإقطاع الى المرحلة الرأسمالية، لقد جرى بإرادة المستعمر تمييع التناقض بين القوى (الإقطاعية) البائدة والقوى (الرأسمالية) الناشئة، وبسبب عدم قيام اقتصاد وطني قائم على التصنيع وبالتالي عدم تطور علاقات الإنتاج الرأسمالي للحلول مكان العلاقات السائدة ما قبلها، وبسبب دخول ممثلي الإقطاع في تسوية تاريخية مع القوى المستعمرة لضمان استمرار هؤلاء وتأمين مصالحهم بعد جلاء المستعمر عن الوطن، جرت عملية “عصرنة” وتحديث لطبقة الإقطاع كي تتماهى مع البرجوازية الناشئة في كنف الإستعمار والسير في نمط الإنتاج الكولونيالي، وبذلك نشأت طبقة هجينة، لا هي برجوازية تمثل رأس المال الوطني بعلاقات إنتاج رأسمالية، ولا هي على صورة الإقطاع القديم. هذا الواقع أدى الى ظهور طبقة برجوازية هي كومبرادورية تمتهن الوساطة التجارية (السمسرة)، تعيش من موقع تبعيتها والتحاقها الكامل بالمركز الرأسمالي على اقتصاد ريعي غير منتج، ولتأكيد تبعيتها عمدت من خلال مواقعها في السلطة الى ضرب القطاعات الإنتاجية -الصناعة والزراعة- وشل إمكانية تنفيذ المشاريع التنموية الإقتصادية والإجتماعية.
وكُرّست الطائفية كوصفة مثالية لتأبيد سيطرة البرجوازية الطبقية مدعومة بالتدخلات والاملاءات الخارجية، فجرى توزيع المناصب والمكاسب والإمتيازات في ما بين ممثلي الطوائف، ولضمان استمرار الإثارة الدائمة للعصبيات الطائفية والمذهبية نُّصِب ممثلو البرجوازية زعماء لطوائفهم أيضاً، وهكذا احتكرت القوى المالية القديمة والحديثة التمثيل الطائفي وربطت بالتالي مصالح الطائفة بمصالحها ووجودها، فطُمس الصراع الطبقي وجرى تمييعه، واستُخدم عمال الطائفة وكادحوها سياجاً لحماية الطبقة الحاكمة، في الوقت الذي يتعرضون فيه لأبشع أشكال الإستغلال. وكلما اهتزت ركائز نظامها تلجأ البرجوازية الى استجداء التدخل الخارجي، بحيث بات هذا النظام ولّاداً للحروب والأزمات الدورية. وهذا ما يفسر حالات الاستعصاء الدورية عند كل استحقاق دستوري او وطني، ويتعمق الاستعصاء تبعاً لاحتدام الصراعات الداخلية او الخارجية، فتتحول عملية انتخاب رئيس للجمهورية او وضع قانون جديد للانتخابات النيابية او تشكيل حكومة جديدة، ميدانا للتحاصص الطائفي والمذهبي، ومدخلا للسيطرة على مؤسسات الدولة ومقدراتها.
في لبنان اليوم يحتدم صراع سياسي حاد، هو استمرار للماضي أيضاً، يتمحور حول موقع لبنان في الصراع العربي- الصهيوني ودوره في محيطه العربي، هو صراع يدور بين مشروعين وخيارين سياسيين، مشروع الإحتلال والإستغلال والنهب والسيطرة الإمبريالية، ومشروع المقاومة والتحرر الوطني، مع ما يمثله كلا المشروعين من تحالفات واصطفافات طبقية وسياسية واجتماعية ودينية واسعة، ما يحتم على كافة القوى السياسية في المشروعين تحديد مواقعها في هذا الصراع الذي لا حياد فيه.
وهذا يكشف تهافت المنطق والموقع الوسطي أو الحيادي المزعوم، ويدلل على أحد أمرين عند مدّعي الحياد: إما قراءتهم الخاطئة للصراع وعدم القدرة على تحديد اتجاهاته الأساسية، وإما التوهم بإمكانية تشكيل خيار ثالث ينقل موضوعيا وزنه وتأثيره من الموقع الوطني التحرري ليضيفه الى المشروع الآخر شاء ذلك بإرادته أم لم يشأ. وقد ساعدت سياسة النأي بالنفس الرسمية، والبيئة السياسية الحاضنة، على تفشي ظاهرة الارهاب والقوى التكفيرية العاملة لدى اسيادها على تأجيج الفتن المذهبية المدمرة.
وتترابط مع القضية الوطنية القضية الإجتماعية، حيث جرى بالتشارك ما بين العدو الصهيوني والطبقة الحاكمة تدمير منهجي لملامح اقتصاد وطني، العدو باعتداءاته المتكررة على لبنان وخاصة في اجتياح عام 1982، وعدوان تموز 2006، حيث قصف ودمر المعامل والمصانع بشكل متعمد، والطبقة الحاكمة بسياساتها الإقتصادية الخاضعة لإملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين ولشروط الإنضمام الى منظمة التجارة العالمية وربط الإقتصاد بالسياسات النيو ليبرالية القائمة على الخصخصة ونهب المال العام التي أدت الى المديونية العالية والبطالة وتجميد الأجور والسياسة الضريبية المعادية للفقراء والهجرة القسرية وازدياد مستويات الفقر واسشراء الفساد المنظم عبر الصناديق الطائفية وشل وإفساد أجهزة القضاء والرقابة الإدارية والمالية، في مقابل تعاظم موقع رأس المال المالي والريعي والعقاري المعتمد على المضاربات والسمسرة والربح السريع.
وسبق ذلك وترافق مع ضرب مؤسسات الحماية الإجتماعية كالنقابات والإتحادات العمالية والمهنية واضعاف قدرات الضمان الإجتماعي والمؤسسات الديمقراطية، والإسهام في إضعاف القوى والأحزاب اليسارية لتسهيل تمرير هذه المشاريع والبرامج المعادية لمصالح الطبقة العاملة والأغلبية الساحقة من الجماهير الشعبية.
إن البديل الثوري لنظام البرجوازية الكومبرادوري التابع يتطلب صياغة برنامج تغيير جذري شامل، يعالج كافة الأزمات التي تعصف بالوطن، السياسية والإقتصادية والإجتماعية والتربوية والصحية…، وبناء أطر تحالفية وتنسيقية نضالية عبر جبهة وطنية تتسع لكافة القوى السياسية والفئات الإجتماعية المتضررة من طبيعة النظام وارتباطاته الخارجية، وتمثّل الحركة الوطنية للتغيير الديمقراطي كإئتلاف وطني ديمقراطي لا طائفي احدى اسس الجبهة الوطنية الشاملة.
على أن تحسم هذه الجبهة في القضايا الرئيسية المولّدة للأزمات والمستدعية للتدخلات الخارجية والمسببة للإفقار والخراب الإقتصادي والإجتماعي، ويمكن صوغ عناوين برنامجية في الجانب السياسي والوطني:
– الحسم في موقع لبنان في الصراع العربي- الصهيوني وتبني المقاومة الشاملة وعلى رأسها المسلحة خياراً وحيداً ودائماً لإنجاز تحرير الاراضي المحتلة، وردع التهديد والعدوان والتصدي للمشروع الإمبريالي من ضمن حركة مقاومة عربية تشكل المقاومة في لبنان مكوناً أساسياً فيها مقدمةً لقيام حركة التحرر الوطني العربية بقيادة ثورية.
– التأكيد على خيار المقاومة وتعميم ثقافتها على المستوى الشعبي، والتمسك بانجازاتها المحققة منذ انطلاقتها غداة الاحتلال الصهيوني في العام 1982، مرورا بالتحرير في العام 2000، وصولا الى الانتصار التاريخي على العدو في عدوان تموز 2006، على أن يحكم نوع من التفاهم والتنسيق العلاقة بين المقاومة والجيش بعقيدته الوطنية وبانجازاته العسكرية والامنية في مواجهة قوى الارهاب التكفيري وشبكات العملاء، ووالدفاع عن معادلة الشعب والجيش والمقاومة، على أن تبقى هذه المعادلة قائمة الى حين قيام حكم وطني ديمقراطي يحوز على التمثيل الشعبي الحقيقي ويحدد الكيان الصهيوني عدواً رئيساً ويكون طرفاً أساسياً في الصراع العربي- الصهيوني ويتبنى خيار الدفاع عن الوطن والشعب.
– بناء النظام الوطني الديمقراطي العلماني في لبنان على أنقاض النظام البرجوازي الطائفي في سيرورة تاريخية تراكمية تبدأ بالخطوات الإصلاحية لطبيعة النظام وفي مقدمها إلغاء الطائفية وإقرار قانون عصري للإنتخابات النيابية خارج القيد الطائفي وعلى أساس النسبية والدائرة الوطنية الواحدة وتخفيض سن الإقتراع الى 18 سنة، وقانون مدني موحد للأحوال الشخصية، ونقل دور التربية والتعليم من إعادة إنتاج الفكر والعصبيات الطائفية والمذهبية الى صقل ثقافة وطنية ديمقراطية موحِّدة للمجتمع ومنتمية للوطن.
– بخصوص العلاقات اللبنانية- السورية، إن سياسة الإلتحاق أو العداء التي مارستها معظم القوى السياسية اللبنانية بعلاقتها مع سوريا، وخاصة قوى اليمين، وبالتقاطع والتشارك مع بعض أطراف النظام في سوريا، كانت مدمرة للبلدين والشعبين الشقيقين، وبالتالي إن المقاربة الموضوعية للعلاقات الثنائية يجب أن تخضع للمراجعة، آخذين بالإعتبار المصالح المشتركة والتي تطال بالدرجة الأولى مصالح الفقراء و الكادحين فيهما، وتحصين موقعهما في الصراع الوطني والقومي لمواجهة المخاطر المتمثلة بالمشروع الأميركي- الصهيوني، كما أن العلاقات الصحيحة بين البلدين تشكل النموذج الديمقراطي للوحدة العربية المنشودة.
– صون الحريات الديمقراطية وتوسيعها والإنتقال بها الى حيز الممارسة العملية في كافة عناوينها، ومنها حرية الإعلام والمعتقد والتعبير والرأي والتجمع والتظاهر والإضراب وإقرار قانون للأحزاب يؤمن قيامها بحرية على أساس العلم والخبر ويحظر تأسيس الأحزاب الطائفية.
– العمل على حماية وتطوير الضمان الإجتماعي وتوسيع تقديماته، ودعم الجامعة اللبنانية والتعليم الرسمي المجاني وتقليص دور قطاع التعليم الخاص وإخضاعه لبرامج تربوية موحدة.
– تغيير وتعديل القوانين الناظمة لحقوق المرأة ووضع قوانين جديدة تتعلة بالإرث والعمل والجنسية والعقوبات، وتنفيذ مقررات مؤتمر بكين المتعلقة بحق المرأة في التمثيل والمشاركة السياسية، ووضع قانون مدني للاحوال الشخصية.
في القضية الإقتصادية والإجتماعية:
– التصدي لمشروع النهب المنظم للقطاع العام تحت مسمى الخصخصة، مع ضرورة توسيعه وتطويره وإصلاحه وتطهيره من الفساد وإخضاعه للمراقبة بإشراف العاملين فيه، ودعمه ليتحول الى قطاع منتج بؤمن فرص العمل ويغذي الخزينة بأكثر مما توفره الخصخصة.
– وضع نظام ضريبي يؤمن الحد الأدنى من العدالة عبر الضريبة التصاعدية وتخفيض الضرائب غير المباشرة التي تصيب الفقراء وذوي الدخل المحدود.
– وقف الإستدانة والتحقيق في أبواب النهب الرسمي للديون المتراكمة، ومحاسبة المشتركين في هذه الجريمة التي حمّلت الوطن والمواطن أعباء لا تُحتمل، واستعادة الأملاك البحرية والنهرية والعامة المنهوبة وإجراء تسوية عن سنوات الإستثمار والأرباح المحققة، لصالح الخزينة.
– الإهتمام بالقطاعات المنتجة وتحديدا الصناعة والزراعة، ودعم احتياجاتها وتأمين المساعدات الحكومية وتوفير التسليفات الميسرة للمزارعين وإنشاء التعاونيات الزراعية، وتحمل الدولة مسؤولياتها في تصريف الإنتاج ووقف سياسة إغراق الأسواق بالمنتجات المستوردة المدعومة في بلدانها على حساب الإنتاج الوطني، وإنشاء بنية تحتية متطورة للقطاع الزراعي في أولوياتها إنشاء السدود والبحيرات المائية لتوفير الري الدائم على مدار العام.
– وضع برنامج متكامل للمحافظة على البيئة، ومشاريع الصرف الصحي، ومعالجة ازمة النفايات بوسائل علمية، وزيادة المساحات الخضراء، وحماية الشواطئ البحرية والنهرية من التلوث.
– الإستغلال الأمثل للموارد المائية عبر انشاء البحيرات والسدود والمساقط المائية لإنتاج الطاقة الرخيصة والنظيفة، وحرمان العدو من الإستفادة من مياهنا المهدورة.
– إعادة بناء حركة نقابية ديمقراطية كفاحية، مستقلة القرار والإرادة، ومتحررة من الوصاية المالية والطائفية والسلطوية، تتحمل مسؤولياتها في الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة والفئات الشعبية.
– برنامج للتنمية الإقتصادية والإجتماعية بدءاً من تنمية الإنسان والموارد البشرية والطاقات الإنتاجية، وتنمية القطاعات الصناعية والزراعية والسياحية والثقافية والتربوية والصحية، إن هكذا برنامج تنموي وحده القادر على اجتذاب الإستثمارات الى البلد لتوظيفها في هذه القطاعات بدل حصرها في مجالات المضاربات والإقتصاد الريعي.
إن الأداة النضالية لبلورة هذا البرنامج ووضعه على طريق التحقق لن يكون إلا بوجود الحزب الطليعي الثوري بفكره الإشتراكي العلمي، وبالعمل الجاد من أجل قيام حركة ثورية من القوى الوطنية والثورية والتقدمية المقاومة تتبنى البرنامج وتسعى لتحقيقه في أوسع تحالف طبقي ووطني وبرؤية قومية صحيحة وبعد أممي، ليثبت التاريخ مجدداً أن العصر الحالي ما زال عصر الإنتقال الى الإشتراكية.