يبرز من جديد التصعيد الإمبريالي الأميركي، بالتهديد بعمل عسكري ضد العراق ، هذا التصعيد الذي يعبر عن طبيعة السياسة الإمبريالية وأهدافها في المنطقة ، خاصة عندما تصطدم بتطورات معينة ضد مصالحها وسياساتها ، وقد برزت في الفترة الأخيرة جملة من التطورات تدل على مستوى معين من الوعي لدى شعوب المنطقة في مواجهة الخطر الإمبريالي –الصهيوني، خاصة مع شعور هذه الشعوب أن الولايات المتحدة تدعم سياسة التصلب الإسرائيلي ، وبأنه ليس صحيحا ما كان يقال بأنها مع الاتجاه المعتدل في إسرائيل ، وقد لعبت على هذا الأمر طويلا مما مكنها من تمرير اتفاقات مدريد ,أوسلو ووادي عربة ، وعزز لدى الجانب العربي الاعتقاد بوجود اتجاه إسرائيلي معتدل لتحقيق السلام في المنطقة
واندفعت بعض الأنظمة العربية وراء هذا الوهم ، وكان أبرز المهرولين الجانب الفلسطيني بقيادة ياسر عرفات ، مما أثر على طبيعة الصراع العربي – الإسرائيلي ، خاصة أن محور الصراع هو القضية الفلسطينية بحيث همش الصراع كله وفتح الطريق أمام التنازلات المتتالية وانعكس ذلك على طبيعة وزخم الانتفاضة في الأرض المحتلة ، واضعف مستوى التضامن العربي وأعطى المبررات لأطراف عربية للالتحاق بالمشروع الأميركي، وجرى تسابق بهدف إثبات حسن النوايا باتجاه إسرائيل واقامة علاقات اقتصادية معها وصولا الى التطبيع في العديد من المجالات ، ووصل الأمر أيام حزب العمل أن وعد بإمكانية التفاوض حول إعادة الجولان لسوريا ، إلا إننا كنا نرى دائما أن السياسة الإسرائيلية واحدة ، وهي تتعاطى بمستويات معينة تبعا للظروف التي تمر بها قضية التسوية وعملية المفاوضات حسب ما تتطلبه من مظاهر التصلب أو الاعتدال .
هذا الوضع أوهم بعض الأطراف العربية أن الدور الأميركي معتدل وإنها تلعب دور الحكم في عملية المفاوضات ، لا الطرف المنحاز الى جانب إسرائيل دائما ، لدرجة أن جريمة الإمبريالية ضد العراق وشعبه في حرب الخليج ، تلاشت بسرعة من أذهان القيادات العربية بحجة الحرص على عملية السلام وإنجاحها .
ومع مجيء نتنياهو على رأس تكتل الليكود في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة ، بدأت سياسة التصلب الإسرائيلية الرافضة حتى لتنفيذ الاتفاقات المعقودة ، وأثبتت الإمبريالية مجددا إنها داعمة لإسرائيل بالمطلق مهما كان مشروعها ضد المنطقة العربية ، فهي التي غطت العدوان الإسرائيلي الواسع ضد لبنان أيام بيريز في نيسان 1996 ، ومنعت صدور قرار إدانة إسرائيل لارتكابها مجزرة قانا في الأمم المتحدة ومجلس الأمن ، ووقوف أميركا مع السياسة الإسرائيلية في عهد حزب العمل كما في عهد الليكود يعبر عن أهمية الدور الإسرائيلي للدفاع عن المصالح الإمبريالية في المنطقة ، كونها قاعدة عسكرية متقدمة ، تستخدمها الإمبريالية كفزاعة مستمرة ضد الشعوب العربية وتهديدها الدائم ، والتوسع على حساب أراضيها لاستنفاذ مواردها وثرواتها ، وخلق عوامل التفرقة وبعثرة القوى العربية ، وزرع عوامل الفتنة داخل الدول العربية لمنعها من التوحد السياسي والاقتصادي ، ولو ضمن الحد الأدنى من التفاهم على المصالح المشتركة ، وتجاهر الولايات المتحدة بموقفها الى جانب إسرائيل بتأكيدها الدائم التزامها بالتوازن ، أو حتى بالتفوق الإسرائيلي على الدول العربية مجتمعة . وهي في الوقت الذي تفرض حصارا جائرا ضد العراق وشعبه بذريعة امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل، فهي تتغاضى ، بل تدعم امتلاك إسرائيل لأكثر من 200 رأس نووي الأمرالذي من شأنه تهديد أمن المنطقة والسلم العالمي بأسره ، حتى إنها لم توافق على الاتفاقات الدولية المتعلقة بوقف التجارب النووية ، أو السماح للأمم المتحدة بالتفتيش على منشآتها النووية ، كما رفضت الموافقة على التوقيع على معاهدة منع انتشار أسلحة الدمار الشامل في المنطقة.
في المقابل ، تتخذ الإمبريالية الأميركية ذريعة وجود أسلحة الدمار الشامل في العراق لفرض الحصار عليه وتجويع شعبه وتدمير اقتصاده وتهديد وحدة أراضيه في ظل شعارات واهية حول حقوق الإنسان ، هذا الشعار الذي تستعمله الإمبريالية لتهديد الدول والشعوب وذريعة للتدخل في شؤونها .
لذلك تستمر الإمبريالية في سياسة العدوان وحشد الأساطيل في منطقة الخليج ، واستمرار حصار العراق ، والتهويل على بعض الدول بحجة دعمها للإرهاب ، وخاصة سوريا وإيران وليبيا والسودان ، وتنتزع القرارات من الأمم المتحدة لمصلحة وجودها العسكري مما حول هذه المنظمة الدولية ، الى منظمة مفرغة من أية قيمة مادية أو معنوية ذات شأن في حل المشكلات الدولية ، ومعادية لأي نضال شعبي تحرري، أو مطالبة بحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة وتمنع أي تنديد ولو تلميحا بما تقوم به القوات الإسرائيلية من قتل واعتقال وتعذيب وبناء المستعمرات ، حتى أصبحت مدينة القدس مطوقة بطوق عسكري وأمني واستيطاني .
وصعدت الإمبريالية من سياستها العدوانية في المنطقة من خلال إقامة الحلف التركي-الأميركي – الإسرائيلي ، الذي جاء في سياق برنامج استراتيجي تطمح أميركا أن يضم دولا أخرى كالأردن وأثيوبيا، وهدفه الأساسي تقويض إمكانيات نهوض هذه المنطقة وتهديدها سياسيا واقتصاديا وعسكريا ، ومنع تنفيذ مشاريع التنمية التي تحاول بعض الدول إقامتها، كما يهدف هذا التحالف الى تهديد وتطويق سوريا وإيران والعراق ، وكل الدول المعترضة على السياسة الأميركية – الإسرائيلية .
ولكن رغم هذا الدور والبرنامج الأميركي المعادي في المنطقة العربية ، إلا إننا نشهد جملة من التطورات والمؤشرات الإيجابية ، تعبر عن صحوة لدى شعوب المنطقة ضد هذه السياسة ، مما أحرج بعض حلفاء أميركا وأصدقائها ، ودفعهم للرضوخ ولو نسبيا للإرادة الشعبية ، وتجلى ذلك بالمقاطعة العربية الواسعة للمؤتمر الاقتصادي في الدوحة ، والموقف العربي الرافض بالكامل للحلف الأميركي – الإسرائيلي – التركي، وتجلى ايضا بالحلف السوري –الإيراني – المتقارب مع العراق والرافض لاستمرار الحصار ضده أو توجيه ضربة عسكرية جديدة تستهدف تدميره وتقسيم أراضيه ، كذلك مؤتمر القمة الإسلامية الذي عقد في طهران واعتبرته الولايات المتحدة خطوة عربية باتجاه فك العزلة عن إيران وإشراكها في شؤون المنطقة ومن موقع التعارض مع السياسة الأميركية .
أن ما يزعج الإمبريالية هو استمرار عمل المقاومة في جنوب لبنان ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي وما يشكله من تحد مباشر للإرادة الأميركية التي أوحت بعد نهاية الحرب الباردة بزوال قواعد ومواقع الاعتراض ضدها في العالم ، كما تشكل احتمالات تفجر الانتفاضة الشعبية في فلسطين هاجسا دائما لسياستها لما تعكسه من تأثير واستنهاض للوضع الشعبي العربي برمته.
ويضاف الى مجمل هذه التطورات مناخا سلبيا عاما ضد السياسة الأميركية القائمة على التحكم والسيطرة والاستغلال ، ومحاولات من الشعوب والدول للتخلص من هذه الهيمنة ، مما يفرض على الإمبريالية ضرورة القيام بعمل عسكري ، وقد لا يؤدي الى نتائج ايجابية بالنسبة لها ، بل على العكس ، سيؤدي الى ردة فعل سلبية ومعادية للوجود الأميركي ويؤزم العلاقات الدولية أكثر ، إلا إنها ترى هذا العمل ضروري لإثبات قدرتها وقيادتها للعالم ولإرهاب الدول والشعوب والتلويح بالعصا الغليظة لمن يفكر بالاعتراض أو الرفض لسياستها ، أو لمن يحاول مقاومة برنامجها في أية بقعة في العالم .
في ظل هذا الواقع ، تحاول بعض الدول مثل روسيا وفرنسا ، وبعض الدول الأوروبية الوقوف في وجه التهديدات الأميركية وتطالب بفك الحصار عن العراق ، وان كانت تطالبه في الوقت نفسه بالامتثال لقرارات مجلس الأمن ، وان كانت جائرة ، مما يشير الى نوع من الالتحاق بالسياسة الأميركية إلا أن هذه الدول تسعى الى نوع من التمايز بموقفها عن الأميركيين ، وتعارض بشدة أي عمل عسكري ضد العراق وتبذل الجهود الدبلوماسية لتجنب الحرب ووقف الاندفاعة العسكرية الأميركية ، إلا إننا نشهد في الوقت نفسه عجزا لدى هذه الدول التي تمتلك حق استعمال الفيتو في مجلس الأمن عن استخدام هذا الحق ، إما لضعف موقفها الدولي ، أو لتقاطع مصالحها الاقتصادية والسياسية مع الإمبريالية .
وعلى رغم أهمية الموقف الروسي المعارض لأميركا في موضوع العراق ، والذي يدفعها لدرس خطواتها بدقة أكبر ، إلا انه لا يقيد الموقف الأميركي بالكامل ، ولذلك استبقت مواقف الدول الأخرى بالإعلان عن عزمها على القيام بالعدوان منفردة إذا لم يوافق حلفائها أو بعضهم على المشاركة . وتجاوز أميركا لأعتراض روسيا أمر طبيعي ، إذ إنها تحولت في عهد يلتسين الى دولة تعيش على مساعدات الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي ، ومن هنا فهي عاجزة عن استعمال الفيتو . هذا الحق كان نقطة قوة وورقة ضغط بيد الاتحاد السوفياتي، عندما فرضت التوازن العسكري والنووي مع الإمبريالية . أما الآن فمن الصعب على روسيا مواجهة الإمبريالية حتى النهاية ، خوفا من قطع المساعدات والتعاون الاقتصادي معها ، وأيضا خشية من استفادة الحركة الشيوعية الروسية من حالة الاعتراض خاصة أن هذه الحركة تشهد عملية نمو وتطور ، وبين الخطرين ، خطر وقف المساعدات الأميركية وخطر نمو الشيوعية ، يرى النظام الروسي الخطر الثاني أشد وأدهى من الخطر الأميركي-الصهيوني ، إذ أن هاجس عودة الشيوعية والاتحاد السوفياتي يسبب رعبا حقيقيا لروسيا وأميركا معا .
أمام هذا الواقع ، نرى أميركا تسير في خيار العمل العسكري ، مترافقا مع زيادة الضغط على مجموعة من الدول كإيران وسوريا وليبيا والسودان بحجة دعم الإرهاب ، والتهويل على مصر بوقف المساعدات الاقتصادية وتحريك جماعات الإرهاب الداخلية لضرب استقرارها . أن العملية العسكرية الأميركية ضد العراق قد تستهدف بعض المواقع الاقتصادية والعسكرية والسياسية المهمة ، لتعطي النموذج لباقي الدول بأن الإمبريالية مسؤولة عن الأمن الدولي شاءت الأمم المتحدة أم أبت ، وبأنها قادرة على تنفيذ سياستها بمشاركة حلفائها، أو منفردة. ونحن نلاحظ ، حتى لو أقدم العراق على الرضوخ لبعض الشروط الأميركية ، فأن ذلك قد يؤجل العملية العسكرية ضده ولكن لن يلغيها، لذلك فالضربة العسكرية لم تعد تهويلا ، بل هي خيار إمبريالي لا بد منه لإرهاب المنطقة وشعوبها، وكذلك شعوب العالم أجمع .
ورغم أن الولايات المتحدة لا تمر بأزمة اقتصادية خانقة ، إلا أن هناك بداية ركود اقتصادي وحالة بطالة ، وتعثر مستوى التجارة الخارجية ، واهتزاز الأسواق المالية العالمية وخاصة الآسيوية ، ومشاكل اقتصادية وتجارية مع اليابان وأوروبا ، لذلك يهم الإمبريالية تقديم نموذج عسكري لتهديد كل الأطراف المتعارضة معها، ومن جهة ثانية لإعادة برمجة السيطرة الكاملة على كل مواقع النفط في الشرق الأوسط والعالم ، خاصة أن 65% من احتياط النفط العالمي موجود في الشرق الأوسط ، وسيبقى النفط مادة أساسية لدعم اقتصاد الرأسمال العالمي لعشرات السنين القادمة ، رغم إمكانية ظهور بدائل معينة تحل جزئيا محل النفط ، إلا انه يبقى العصب الأساسي للاقتصاد العالمي .
لذلك يدخل النفط العراقي في صلب السياسة العدوانية الأميركية ، وكذلك النفط الإيراني إذ أن الاحتياط الهائل لدى البلدين يمكنهما من النهوض اقتصاديا بفترة قصيرة نسبيا ، مما يخولهما السيطرة على أمن الخليج مجددا ومنافسة الوجود الأميركي . كما أن الصراع في الجزائر وحصار ليبيا يأتيان في نفس سياق سياسة السيطرة على المصادر النفطية في الشرق الأوسط . أن هذا الجانب الاقتصادي من الصراع رئيسي لفهم طبيعة ما يجري ولا يمكن تغييبه لأنه يؤدي إلى خلل في الفهم المتكامل للبرنامج الإمبريالي.
لا يمكن التكهن بحجم ومدى العملية العسكرية ضد العراق، إلا انه من الواضح أن أهدافا أساسية للقصف قد يكون بينها بعض القصور الرئاسية والمنشآت الحيوية وذلك بهدف خلق ظروف ملائمة لتنفيذ برنامج استراتيجي أميركي لتقسيم العراق إذ انه وبالرغم من كل الظروف التي مر بها العراق ، من حصار ظالم وسياسة الأمبريالية في تأجيج الصراعات القومية والعرقية والدينية في شمال العراق وجنوبه ، إلا أن ذلك لم ينضج ظروف تقسيمه وتفتيته .
أما بالنسبة للوضع اللبناني الداخلي، فقد سبق ووقفنا مطولا أمام ظاهرة الطفيلي في بعلبك ، وحددنا أن المسؤولية تقع على السلطة التي تخلت عن منطقة تعاني الحرمان والإهمال المزمن ولم تسع إلى أية عملية تطوير للزراعة والإنتاج والتنمية ، خاصة بعد منع زراعة المخدرات وما كانت تحدثه من دورة اقتصادية معينة في البقاع . إلا أن المعاناة في تلك المنطقة موجودة تاريخيا وتفاقمت في السنوات الأخيرة ، مما أنتج وضعا اقتصاديا واجتماعيا مترديا .
وقد ازداد احتجاج أهالي المناطق المحرومة بسبب شعورهم ومعرفتهم أن السلطة تركز اهتمامها ومشاريعها على بيروت ومحيطها في مجال الإنشاءات والخدمات . وترافقت هذه النقمة مع حالة النهوض التي شكلها الاتحاد العمالي العام ،والتي تمثلت بوجود حركة مطلبية ناهضة ، لا تتصدى فقط للمطالب العمالية ، بل تضمنت برامج الحركة النقابية مطالب شعبية، وما كان سائدا في السابق بأن مطالب الاتحاد العمالي العام محصورة بزيادات الأجور وبعض التقديمات للعمال والموظفين ، أسقطه شعور المواطنين في المناطق الريفية والنائية بأن المطالب الجديدة تعنيهم مباشرة إذ تتضمن قضايا الزراعة والصناعة والخدمات العامة والتعليم والطبابة ، وقد أعطي الاتحاد العمالي العام وعن جدارة حق قيادة الحركة الشعبية مما شكل رافعة سياسية ونقابية للحركة الشعبية .
ونتيجة لهذا الدور القيادي ، بدأ تآمر السلطة ضد الحركة النقابية يتصاعد بحجة تسييس المطالب ، وبالفعل تمكنت السلطة بتآمرها من خلق حالة من الانقسام والشرذمة في صفوف الاتحاد العمالي العام ، إلا أن هذا الدور للاتحاد الذي لعبه قبل شقه وتقسيمه ترك أثره على الواقع اللبناني كله، وخاصة في المناطق الأكثر حرمانا وتخلفا . وبعد ضرب دور الاتحاد وضعف قيادته للحركة الشعبية ، أصبحت بعض الفئات الشعبية تلجأ لقيادات أو رموز لتقود تحركها ، فكان أن تصدى الطفيلي لهذه المهمة وسار بها بالشكل المعروف.
أن الأمر الجوهري ، هو أن الطفيلي لم يفتعل حالة معينة ، إذ أن الفقر والمعاناة موجودان في تلك المنطقة ، وكل ما فعله هو دفع هذه الحالة نحو المواجهة ، ونحن ضد أسلوبه في التحرك ، وبعض الشعارات ذات السمة المناطقية والفئوية خاصة الشعارات التي تشكل عوامل استفزاز لا عوامل نهوض ، ولم يسع الى تنسيق تحركه مع الحركة النقابية والديمقراطية ، بل سعى الى حركة مستقلة ، ظهرت وكأنها تسعى لإقامة كانتون منعزل في منطقة بعلبك ، خاصة بعد قرار منع النواب والوزراء من دخول تلك المنطقة. لذلك كنا نرى ومنذ البداية ، أن حركة الطفيلي ستقابلها حركات مناطقية أو طائفية في مناطق أخرى كرد فعل . مثل حركة رشيد الخازن الذي ادعى قيادة حركة شعبية في منطقة كسروان للدفاع عن حقوق تلك المنطقة ، إلا أن خلفية تحركه كانت بهدف الدفاع عن مصالحه الخاصة ، سيما بعد قرار إقفال الكسارات والتي له معظمها.
أن مضمون هذه الحركات خطير ، إذ أننا خارجون من حرب مدمرة ، جرت فيها محاولات عديدة لإقامة كانتونات طائفية ومذهبية . و تركت السلطة الأمور دون معالجة لإيصالها الى المستوى الذي وصلته ، خاصة وأنها أقرت مبلغ 150 مليار ليرة لإنماء المناطق المحرومة ومنها بعلبك والهرمل ، الا أن عدم تنفيذها قرار صرف هذا المبلغ خاصة بعد أن تبين انه غير وارد في الموازنة العامة للعام 1998 ، كان بهدف إيصال الطفيلي وحركته الى مستوى معين من التصعيد ، لتبرير تدخل السلطة وإنهاء هذه الحالة بحجة حفظ الأمن ، ويكون ذلك في الوقت نفسه تحذيرا لكل القوى النقابية والسياسية والديمقراطية بأن السلطة قادرة على قمع أي تحرك شعبي مما يؤدي الى تقليص الحريات العامة والديمقراطية ، وقد تلجأ لاحقا الى منع كل أشكال التعبير حتى الاعتصام والإضراب ، بعد منع التظاهر والتجمع بذريعة حفظ الأمن .
كل ذلك يفرض على القوى الديمقراطية كافة ، الحذر من توجهات السلطة وإدانة تقصيرها بحق شعبنا ، ورفض زيادات الضرائب والرسوم ، والتصدي لمحاولات ضرب القطاعات المنتجة في البلد والسير بمشروع الخصخصة. لذلك نعتبر أن السلطة مسؤولة بالكامل عن التردي الحاصل وعن إنتاج ظاهرة الطفيلي وغيرها من الظواهر التي قد تبرز في أكثر من منطقة ، ان طريقة السوقة في التعامل مع هذه الظاهرة هي تغطية لها لمواجهة الحركة الشعبية والديمقراطية السلمية وتضييق الخناق عليها وتوسيع حالة القمع ،علما ان هذه الأشكال من التعبير هي أشكال ديمقراطية مشروعة تمارس في أرقى دول العالم .
لذلك فالدفاع عن الحريات والمؤسسات الديمقراطية من مخاطر التقسيم والمحاصصة الطائفية في غاية الأهمية ، إذ بدونها لا إمكانية لتطور حركة سياسية ديمقراطية وتصحيح مسار البناء الاقتصادي والاجتماعي.
نحن مع تعزيز الأمن لينعم به المواطنون، ولسنا مع القمع وسياسة العصا الغليظة، هذه السياسة من أساليب الاستعمار ضد الشعوب المناضلة من أجل تحررها. والأمن لا يتحقق إلا بمدى تطور الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي للشعب إنما في حال وجود الفقر والقهر والاضطهاد فلا يمكن توفر شروط الأمن ، لذلك فالديمقراطية والحريات العامة وتحقيق المطالب الشعبية هي الشروط الرئيسية لتحقيق أمن حقيقي يدافع عنه الشعب بنفسه .