الوضع الدولي
جرت تغيرات بارزة عالميا في الفترة الماضية كان اهمها سقوط نظام سيطرة القطب الواحد لصالح تعدد الاقطاب وبروز تكتلات دولية، سياسية واقتصادية وعسكرية، قاسمها المشترك مواجهة السيطرة الاميركية في اسيا وافريقيا واميركا اللاتينية، ومنها التنسيق الاقرب الى التحالف بين روسيا والصين، وبينهما وبين ايران وسوريا، والعمل للتوصل الى صيغة للتفاهم مع الهند، ومشروع تكتل الدول المنتجة للغاز … ما ادى الى عودة الحرب الباردة، وبروز تحولات ايجابية لمصلحة قوى التحرر والتقدم والديمقراطية في العالم، كالتغيرات في اميركا الجنوبية والتطورات في منطقتنا العربية، ونضال الشعوب وحركات التحرر الوطني العالمية، وصمود كوبا الثورة بقيادتها التاريخية على مدى خمسين عاما في مواجهة الحصار والمؤامرات، مما انتج التحولات النوعية في اميركا اللاتينية وغيرها، وقد ساهم النموذج الذي قدمته المقاومة بانتصاراتها وانجازاتها على المشروع الامبريالي ـ الصهيوني في فلسطين والعراق، وبخاصة في لبنان في الدفع بهذه التطورات وتقديم الدليل الحسي على امكانية المواجهة والصمود وحتى هزيمة هذا المشروع، هذه التطورات على الصعيد الدولي ادت الى سقوط وانتهاء سيطرة القطب الواحد، وان كانت الامبريالية الاميركية في مرحلتها الفاشية تسعى للايحاء بعكس ذلك في محاولة لتأبيد سيطرتها الاحادية على العالم.
لذلك تسعى الولايات المتحدة الى اعادة ترميم قوتها ودورها العالمي الذي اصيب بانتكاسات حادة في العراق وافغانستان، وفي صراعها مع ايران التي تواصل برامجها النووية السلمية وتطوير قوتها العسكرية متجاوزة التهديد والوعيد الاميركي، والضغط على سوريا لمنعها من بناء قوتها العسكرية لمواجهة التحديات والاحتمالات القادمة، ومحاولة الالتفاف لانقاذ مشروع الشرق الاوسط الجديد الذي سقط، عبر النسخة الفرنسية، الاتحاد من اجل المتوسط، وتطويق المارد الصيني بنموه الاقتصادي المتصاعد وقوة منافسته في الاسواق العالمية والعلاقات التي تربط الصين بقوى التحرر والتقدم في العالم، ومن خلال محاصرة الدور الروسي المتنامي وخاصة في البلقان والقوقاز، فبعد الحرب على يوغوسلافيا وتقسيمها فرضت على المجتمع الدولي استكمال شرذمتها لخلق دويلات معادية وضمها الى الحلف الاطلسي وبناء قواعد عسكرية اميركية فيها على مقربة من الحدود مع روسيا، وحاولت ذلك في اوكرانيا، وتحاول الامر نفسه اليوم مع جورجيا، الا ان تغير الظروف الدولية وتحسن الوضع الروسي الداخلي السياسي والاقتصادي والعسكري سمح لروسيا بمواجهة هذا البرنامج بالتعاطي الحاسم مع الازمة المفتعلة من قبل اوكرانيا، والتهديد الجدي بالتصدي للدرع الصاروخي الاميركي في بعض دول اوروبا الشرقية، وبالرد الحاسم على الاستفزازات الاميركية عبر جورجيا، التي تعتمد على الكيان الصهيوني في التدريب والتسليح، وحسم المعركة سريعا في اوسيتيا الجنوبية وابخازيا، ان الحرب الاميركية في البلقان والقوقاز بقدر ما هي موجهة للدور الروسي العالمي في مجاله الحيوي والاستراتيجي، فهي تطاول ايضا الموقف الاوروبي من خلال خلق القواعد، السياسية والعسكرية، داخل الاتحاد الاوروبي لمنعه من استكمال مشروعه للتوحد، ولابقائه تحت السيطرة الاميركية للتخريب الدائم عليه في حال تعارض المصالح بينهما.
ومن سمات استمرار النهج الفاشي تصعيد واشنطن لسياسة التوسع والسيطرة على مناطق النفوذ وتعزيزها بالوسائل العسكرية في معظم الدول التي لاميركا مصالح فيها، وخاصة في مناطق النفط بما لها من اهمية اقتصادية واستراتيجية، الى جانب سيطرة الشركات الكبرى والاحتكارات العالمية المحمية من الانظمة البرجوازية المحلية، والانتهاكات للقوانين والحريات حتى داخل الولايات المتحدة المتعلقة بحقوق الانسان والاعتقال الاداري والاحتياطي والتنصت على المواطنين، واستمرار الاعتقال السياسي للابطال الكوبيين الخمسة ومنع الويارات عن عائلاتهم، والمعتقلات السرية والعلنية وهي بالعشرات في الشرق الاوسط واوروبا والعالم ومنها غوانتنامو وابو غريب، والسجون في بعض الدول العربية بالتعاون مع السلطات المحلية والتعذيب الذي يمارس فيها، والاعتداء على سيادة الدول والتدخل بشؤونها عبر تأجيج الصراعات الداخلية فيها، في دارفور والصومال… ومن خلال مؤسسات دولية خاضعة للنفوذ الاميركي كالمحكمة الجنائية الدولية التي تطالب بمحاكمة الرئيس السوداني، هذه السياسة الاميركية تتعلق بالمنحى الهجومي للامبريالية التي تحصنت باعلان الحرب على الارهاب، وهي حرب عالمية ثالثة ما زالت مستمرة حتى اليوم ضد الدول والشعوب والفقراء في العالم، وتبعا لذلك يتم تصنيف قوى المقاومة حركات التحرر ودول الممانعة بانها ارهابية وتتخذ بحقها اجراءات عزل وحصار وتفرض عليها عقوبات اقتصادية ومالية وتبعا للقاعدة الاميركية: من ليس معنا فهو مع الارهاب ويجب محاربته.
واستمرار السياسة العدوانية الاميركية لا ينفي ازمتها، مما يعطي الامل في انتصار حركات التحرر الوطني بفعلها المقاوم وتسريع هزيمة الفاشية الامبريالية، فالمواجهة الفعلية في منطقتنا العربية، منعت استيلاد مشروع الشرق الاوسط الجديد وضربت العامود الفقري له بهزيمة العدو الصهيوني، ان عدم استكانة الامبريالية ومحاولاتها لاحداث صياغات جديدة لهذا المشروع عبر تعزيز التواجد العسكري المباشر واخضاع الانظمة المحلية المرتبطة بها لترميم جزء من خسائرها، هو مجرد محاولة التفاف على تطور حركة المقاومة والنضال الشعبي الذي شهده لبنان والمنطقة العربية.
من هنا فالامبريالية الاميركية في حالة ازمة سياسية واقتصادية وعسكرية واخلاقية وان حاولت اظهار عكس ذلك، فالنفوذ الاميركي الى انحسار، ومبررات الحروب المعلنة تسقط الواحدة تلو الاخرى، ورموز الادارة الاميركية من الصقور تتهاوى، وحملة العلاقات العامة لتلميع صورتها تفشل، والخسائر البشرية والمالية لحروبها تتصاعد، وازمة الاقتصاد الاميركي تتعمق، من ازمة الرهن العقاري الذي فاقت خسائره 400 مليار دولار الى الانخفاض الحاد في سعر الدولار وارتفاع اسعار النفط وتراجع نسبة النمو وخفض الفوائد وارتفاع مؤشر البطالة، لذلك تحاول الامبريالية تجاوز هذه الازمة بتشديد نهب ثروات الشعوب والاستغلال والتوسع على الصعيد الدولي، وهكذا يحمل الفقراء والطبقات الشعبية في الدول النامية والى حد معين شعوب الدول الرأسمالية عبء هذه الازمة.
ويشهد العالم ازدياد حالات الفقر، اذ ما يقارب 2 مليار انسان يعيشون تحت خط الفقر، حتى البنك الدولي يتحدث في تقاريره عن حالات فقر وصلت حد الموت من الجوع في كثير من الدول النامية، وهناك 300 مليون انسان معرضين يوميا للموت جوعا، وهذه ظاهرة لا يمكن لها الا ان تفاقم الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية على الصعيد الدولي وتزيد من حدة الصراع الطبقي الذي تخشاه الامبريالية، ولذلك تحاول باستمرار وضمن استراتجيتها خلق الفتن والخلافات الطائفية والمذهبية والعرقية لاعاقة تطور الحالة النضالية والاعتراضية وتصاعد المواجهة المسلحة في اكثر من موقع وتجذر الصراع الطبقي، مما سيؤدي الى زلزال كبير في النظام الرأسمالي العالمي يزعزع ركائزه، لان هذا النظام المأزوم اعجز عن تأمين الحل للمعضلات التي تواجهها البشرية.
لذلك نشهد تحسنا كبيرا في مستوى مواجهة الطبقة العاملة والطبقات الشعبية وحركات التحرر الوطني والحركات المناهضة للعولمة الامبريالية وللقهر الطبقي، وهذا التطور النضالي العالمي يطرح مجددا قضية البديل- النقيض للنظام الرأسمالي بكل قهره واستغلاله الا وهي الاشتراكية، ففي روسيا لم تكن التطورات الايجابية لتحصل لولا تحرك الرأي العام الشعبي الروسي الذي رأى بالعودة الى بعض قيم الاشتراكية وتجلياتها العملية هو الحل الراهن لاستعادة كرامته الوطنية وتحقيق الحد الادنى من العدالة الاجتماعية، وهذا الامر ينطبق على كل مناطق العالم، لانه لا يمكن للنظام الرأسمالي الغارق في ازماته الاقتصادية وسياسة التدخل العسكري والحروب المتنقلة في العالم ان يقدم الحل التاريخي للشعوب، ولا بد من وجود نظام يؤمن الديمقراطية الشعبية وحقوق الانسان ويخلص البشرية من نير الاستغلال والتحكم الطبقي ويؤمن العدالة الاجتماعية ويصون السلم العالمي، اي نظام الاشتراكية العلمية.
الوضع العربي:
تبقى القضية الفلسطينية اهم القضايا العربية، خاصة بعد ان اعادتها الانتفاضتين الاولى والثانية والمقاومة المسلحة عنوانا رئيسيا للصراع العربي – الصهيوني وبندا اول على جدول الاعمال الدولي، على اثر المحاولات الحثيثة لطمسها وتحويلها على طاولة المفاوضات الى قضية امنية تتعلق بالافراد والمعابر والحدود والسيادة المزعومة. ان تحرير غزة من الاحتلال بفعل المقاومة والقتال، ومنع الصهاينة عن اعادة احتلالها، واقامة سلطة وطنية عليها خارج الوصاية والهيمنة وفرض الشروط الصهيونية، مع ما يترتب على ذلك من مصاعب وتضحيات يتحملها الشعب الفلسطيني لاثبات خياره بالمقاومة سبيلا وحيدا لتحرير الارض، رغم المجازر الصهيونية والحصار القاسي على غزة الذي يشارك فيه النظام المصري بفعالية عبر دوره الامني في تشديد الحصار وكشف الانفاق ومنع ادخال المواد الغذائية وتهريب السلاح الى القطاع، ان هذه التجربة الهامة في تاريخ الشعب الفلسطيني يجب العمل الجاد لانجاحها والدفع بالجوانب الايجابية فيها وهي كثيرة، وفتح المجال واسعا امام القوى المقاتلة لاخذ دورها في معركة التحرير، والعمل بجدية لاعادة الوحدة الوطنية وتمتينها على اساس برنامج وطني يضمن حق المقاومة في القتال لتحرير الارض والانسان.
وحتى تقرير بيكر – هاملتون اشار بوضوح ان بدايات الحل لمشاكل المنطقة يكون بحل القضية الفلسطينية، وبالحوار مع الدول الفاعلة في المنطقة وتحديدا سوريا وايران، وهذه التوصيات، التي رفضتها ادارة بوش في البداية عادت للعمل ببعض مضمونها بعد الاخفاقات الكبرى لسياساتها، ورضوخها للوقائع العنيدة التي خلقتها المقاومة على الارض، وبانه لا يمكن لكيان العدو العنصري والمدجج بالسلاح من قهر الشعوب العربية وقواها المناضلة والمقاتلة وتأمين المصالح الامبريالية والاميركية خاصة بعد تصاعد المقاومة وهزيمته في حرب تموز، فاسرائيل الفاشية القائمة على القوة العدوانية والتوسعية بدون محاسبة، والمحمية من القرارات الدولية بالفيتو الاميركي، باتت تقاتل داخل الارض المحتلة للدفاع عن كيانها الغاصب، ونموذج غزة يسقط المراهنة على امكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة الى جانب كيان عنصري عدواني وبالتوافق معه، انه امر مستحيل وغير قابل للتطبيق. وهنا من المهم التأكيد ان اي سلطة تقوم في ظل الاحتلال ان في فلسطين او في العراق او في اي مكان لا يمكن ان تكون مستقلة مهما حاولت او ادعت ذلك، ولا يمكن لشعوبنا العربية المراهنة على اي سلطات محلية يتم تعيينها من قبل الاحتلال ان بالمراسيم والقرارات او بالانتخابات الشكلية، فالاسلوب الوحيد للتعامل مع الاحتلال هو المقاومة والقتال، وبدون ذلك لن يتحقق اي انتصار، بل ان التفاوض قد يطيح بالعديد من المكاسب المحققة بفعل المقاومة المسلحة والتضحيات الجسام للشعب الفلسطيني.
وبات الكيان الصهيوني امام استحقاق زواله الاستراتيجي بفعل التراكم النضالي التاريخي لحركة التحرر الوطني العربية وخاصة في فلسطين ولبنان، وتحديدا منذ العام 1982، عندما بدأت مرحلة فرض التراجع على العدو المحتل من الاراضي اللبنانية تدريجيا دون قيد او شرط، وبفعل النضال الوطني الفلسطيني وتأثيره في بنية الكيان الغاصب من خلال التاريخ الطويل والمشرف لخيار الكفاح المسلح للمقاومة الفلسطينية، والانتفاضة الاولى والثانية اللتين اكدتا هذا الخيار من جديد كخيار وحيد للتحرر الوطني، هذا التراكم النضالي اضعف اهمية الدور الاسرائيلي كقاعدة متقدمة في منطقتنا لحماية مصالح الرأسمالية العالمية ودفعت الاميركيين للتواجد العسكري المباشر من خلال القواعد والاساطيل، وبات العدو اعجز من ان يكون حاميا لهذه المصالح، بل صار يشكل عبئا على المشروع الامبريالي للسيطرة، ولذلك تضغط الادارة الاميركية على انظمة “الاعتدال” العربي لانجاز التسوية مع العدو الصهيوني والتطبيع معه لحمايته من السقوط المحتم على المدى التاريخي. امام كل ذلك بات سؤال المصير والوجود حول مستقبل الكيان الصهيوني يطرح جديا وبشكل ملح امام الباحثين والمفكرين ومراكز الابحاث والدراسات الصهيونية والعالمية.
وان كان المأزق التاريخي الذي وصل اليه الكيان الصهيوني هو بفعل المقاومة، فيجب استمرار هذا الخيار وتصعيده، ليس لتحسين شروط التفاوض كما يدعي البعض، بل لاتمام هزيمة العدو وتسريع ازالته من المنطقة التي زرع فيها باغتصاب ارض فلسطين وتشريد شعبها، ولعب دورا رئيسيا في تمزيق وحدة الامة العربية وضرب امكانية توحدها، وما يسمى بالحل السلمي العادل والشامل معه لن يؤدي الا الى مزيد من تدخله، ومن خلفه الامبريالية الاميركية، في الشؤون الداخلية للدول العربية ونهب خيراتها وثرواتها وخاصة النفط التي تملك ما يقارب 60% من احتياطه العالمي. وهنا ينبغي التشديد في هذا المجال ان ما تلتزم به الانظمة العربية من اتفاقيات ومعاهدات مع الكيان الصهيوني لا يلزم حركات التحرر الوطني بها وبنتائجها. ان زوال هذا الكيان يفتح الامل بتحقيق الوحدة العربية على اسس الديمقراطية وارادة الشعوب، وانجاز التنمية الحقيقية والاستقلال السياسي والاقتصادي الناجز، لانه في سياق هذه العملية ستسقط العديد من الانظمة العربية التي شكلت حماية ودعما له.
الوضع العربي في عصر المقاومة محكوم بالتفاؤل والامل، ويجب اعادة الاعتبار للفكر القومي التحرري المتفاعل مع قضايا شعوب العالم وتصويب النضال المشترك نحو التناقض الرئيسي، الامبريالية العالمية وقيادتها الاميركية. فالمقاومة في العراق في تصاعد وتطور برغم الفتن والمجازر التي يقف خلفها ويغذيها الاحتلال الذي تصطدم مساعيه لاقرار الاتفاقية الامنية مع العراق بالاعترض الواسع من غالبية الشعب العراقي وقواه المقاتلة، والمقاومة في لبنان تمتلك كل امكانيات المواجهة والجهوزية العالية ضد اي عدوان اسرائيلي محتمل وبات العدو نفسه يتحدث عن مشارفة حزب الله على كسر توازن قوة الردع معه، والمقاومة في فلسطين المحتلة الى تجذر، وثقافة المقاومة تترسخ في وعي ووجدان الشعب الفلسطيني الذي لم يعدم وسيلة او امكانية الا ووضعها في خدمة معركته للتحرر الوطني، من الحجر والمقلاع والعبوة والبندقية والصاروخ وصولا الى حرب الجرافات، والتهدئة مجرد هدنة يستفاد منها لكسر حدة الحصار وتحصين الصمود الشعبي ورفع جهوزية المقاومة، وقد شكل نموذج غزة عنوانا لامكانية تحرير اي جزء من الارض واقامة السلطة الوطنية عليه، ويقف العدو على ابواب غزة عاجزا عن اعادة احتلالها، رغم الجرائم الفاشية التي يرتكبها بحق المدنيين المحاصرين من اطفال ونساء وشيوخ، وهذا التطور من شأنه ان يتوسع تدريجيا ويعزز دور الجماهير الفلسطينية داخل الارض المحتلة وخارجها باتجاه المواجهة، ويفتح الطريق امام حوار وطني فلسطيني لتمتين الوحدة الوطنية على حساب سياسة التفاوض المجاني مع العدو التي ادت الى مزيد من الجرائم والعدوان، مع وجود اكثر من 11 الف اسيرة واسير فلسطيني في سجون الفاشية الصهيونية، والتوسع في بناء المستوطنات وقضم الاراضي واقامة جدران الفصل العنصري، لذلك فالقتال والمقاومة هي السبيل الوحيد لازالة الاحتلال المدعوم اميركيا وانجاز الحرية والاستقلال والعودة الى فلسطين العربية.
على القوى الوطنية العربية، الشيوعية واليسارية والقومية والاسلامية، اعادة بناء حركة التحرر الوطني، وخلق الاطر التنسيقية فيما بينها، واستنهاض الطاقات والامكانيات الشعبية، وطرح برامج التغيير الشامل، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، المتوافقة مع آمال وطموحات الجماهير العربية بالانعتاق من نير الاحتلال والاستغلال، واستمرار النضال ضد الاحتلال والتدخل الخارجي، وضد انظمة القمع والتجويع والافقار والتجهيل الواقع في معظم الدول العربية التي تعمد الى تكريس الانقسام والفرقة بين الشعوب العربية على انقاض الوحدة العربية، في الوقت الذي تترسخ الوحدة الاوروبية بين دول كانت الى عهد قريب تخوض فيما بينها حروبا طاحنة دامت مئات السنين.
هذه المهام الملقاة على عاتق القوى الثورية والوطنية العربية تتأسس على الواقع الاقتصادي والاجتماعي الصعب الذي تعيشه الشعوب في كل الدول العربية، حيث الحراك الاجتماعي المتصاعد ضد السياسات الرسمية المؤدية الى الفساد والمديونية، والى غلاء المعيشة وارتفاع الاسعار وتدني الاجور، والى فقدان المواد الغذائية والخبز، والى ازدياد حجم الاحتكارات، والى القمع الوحشي لحرية التعبير والرأي والمعتقد، اضافة الى هرولة الانظمة الى التطبيع مع العدو على حساب المصالح الوطنية والطبقية للغالبية الساحقة من الجماهير الشعبية، لقد عاد النضال الطبقي والوطني السمة الاساسية للمرحلة الراهنة في المنطقة العربية بعد تغييب قسري لدور الجماهير نتج عن تداعيات انهيار الاتحاد السوفياتي، وعن تخلي القوى المفترض بها قيادة هذا النضال بفعل الارتباك والخلل الذي اصابها بعد هذا الانهيار، وبات هذا النضال يشكل ازعاجا، بل خطرا على بعض الانظمة بعد اتساعه وتواليه وشموله كل العناوين من الاجتماعي والوطني، الى الحريات والديمقراطية، الى النظام السياسي وبنيته، ولن تنفع المحاولات الرسمية لتمييع النضال تارة بادعاء محاربة الارهاب والتطرف، وطورا بتفجير الفتن الطائفية والمذهبية والاثنية بين ابناء الشعب الواحد، بل بين ابناء الطبقة الواحدة صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير, رغم اعتماد السلطات الرسمية برامج متعمدة لتعميم الجهل والامية والتخلف، وباتت بصمات صندوق النقد والبنك الدوليين ظاهرة في مجمل السياسات الاقتصادية والاجتماعية، وسببا مباشرا للمآسي التي تعيشها الطبقة العاملة والكادحين وسائر الطبقات الشعبية.
الوضع اللبناني
عانى لبنان على مدى ثلاثة اعوام ازمة سياسية حادة تمحورت حول الخيارات الوطنية الكبرى، بعد الهجمة الفاشية الاميركية المباشرة على المنطقة ونشر القوات العسكرية واحتلال العراق، وان سعت الادارة الاميركية الى تظهير الخلاف كأنه على السلطة وتوزيع حصصها، الا انها في الواقع تركزت بشقها الداخلي حول العناوين المرتبطة بموقع لبنان في الصراع العربي – الصهيوني، ودور المقاومة خيارا وسلاحا في ردع العدوان والدفاع عن الارض والشعب. واحتدم الصراع بعد الانتصار العظيم الذي حققه حزب الله بقيادته ومقاومته الباسلة على العدوان الاميركي – الصهيوني في تموز 2006، في محاولة اميركية واضحة، عبر ادواتها المحلية، لطمس الانتصار والالتفاف على تداعياته المحلية والعربية والعالمية، كرافعة ثورية لقوى المقاومة والتحرر الوطني في العالم.
ان تجربة المقاومة المسلحة في لبنان مستهدفة اميركيا وصهيونيا منذ انطلاقتها المنظمة في العام 1982، بسبب انخراط احزاب من مختلف التيارات الفكرية والسياسية، الوطنية والقومية والشيوعية والاسلامية فيها، مما شكل نموذجا متقدما لحركات التحرر الوطني، ولانها نجحت في فرض التراجع على العدو المحتل من الاراضي اللبنانية تدريجيا دون قيد او شرط، واسقطت اتفاق17 ايار الخياني وطردت القوات المتعددة الجنسية، وصولا الى الانتصار الكبير في العام 2000، وتتويجا بالانتصار التاريخي في العام 2006 والذي من نتائجه الانتصار الجديد بتحرير الاسرى والمعتقلين اللبنانيين وعلى رأسهم عميدهم المناضل سمير القنطار وجثامين الشهداء اللبنانيين والفلسطينيين والعرب الابطال من معتقلات ومقابر الفاشية الصهيونية، وتحرير اكثر من مئة اسير فلسطيني يرفض العدو الاعتراف انهم من ضمن صفقة التبادل في محاولة للحد من آثار الانتصار الجديد الذي تكمن اهميته في ان لبنان اول دولة عربية يحرر اسراه ورفات شهدائه من قبضة الاحتلال، بينما هذه الملفات لم تقوى انظمة الاستسلام الموقعة على اتفاقيات مع العدو على انجازه. ان الحديث عن التفاوض ” لاسترجاع ” مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم المحتل من الغجر ووضعها تحت الوصاية الدولية ليس الا محاولة مكشوفة من الفريق الاميركي في السلطة لافقاد سلاح المقاومة مبرر وجوده خاصة بعد انجاز تحرير الاسرى، وكان واضحا ان هذا الفريق سعى جاهدا في نقاش البيان الوزاري للحكومة تحقيق ما عجز عنه العدو في حرب تموز بشأن نزع سلاح المقاومة، وعند فشله حاول ان يتضمن النص ما بعطل هذا السلاح، الا ان المعارضة والمقاومة خرجت من اول اختبار مع فريق الاغلبية بتأكيد حق المقاومة باستكمال تحرير الارض وردع العدوان والدفاع عن الشعب والوطن.
ان ثقافة الهزيمة التي زرعها النظام الرسمي العربي في وعي شعوبنا رسمت صورة دونية للانسان العربي بانه لا يستحق الجهد لاستعادته حيا او شهيدا طالما نحن مهزومين، بينما روجت نفس هذه الانظمة، اضافة للعدو، للتفوق الصهيوني ولصورة ” الدولة الاسرائيلية ” التي لا تترك ” ابناءها ” اسرى لدى عدوها، لقد كسرت المقاومة هذه المعادلة، كما كسرت غيرها من المعادلات، وبات الانسان العربي، مقاوما كان ام جنديا او مدنيا، متأكدا من عودته الى حضن الوطن اذا وقع اسيرا لدى العدو، لقد اعادت المقاومة للمواطن العربي قيمته الانسانية التي عملت الانظمة التابعة والملحقة بالاميريالية طويلا على استلاب انسانيته وكرامته من ضمن ثقافة الهزيمة.
ونظرا لخطورة المشروع الامبريالي والصهيوني واهمية دور المقاومة في مواجهة هذا المشروع واولوية اسقاطه من خلال المواجهة المسلحة كان القبول في الدوحة بحلول سياسية مؤقتة كي لا يؤثر الوضع الداخلي وتداعياته على قوة المواجهة، وسيشكل الثلث الضامن للمعارضة في الحكومة الحالية، وهو نتاج تعديل ميزان القوى على الارض، الضمانة الوحيدة في وجه محاولات التطاول على المقاومة التي تلعب دورا مهما في المحافظة على السلم الاهلي وتعزيز الوحدة الوطنية، ولمنع القوى المتبنية لليبرالية الجديدة من التلاعب بقوت الفقراء وذوي الدخل المحدود، وقد عبر السيد حسن نصرالله في كلمته الاخيرة توجه المقاومة للتصدي للنهج الاقتصادي التجويعي، مما يؤكد الترابط الجدلي بين القضيتين الوطنية والاجتماعية. لذلك يجب تصعيد النضال الاجتماعي بقيادة الطبقة العاملة والجماهير الشعبية والقوى الوطنية والديمقراطية والعلمانية من اجل تحقيق تغييرات جذرية في بنية النظام الطائفي البرجوازي، لجهة التوجهات الاقتصادية والمالية والسياسية، ووضع قانون ديمقراطي للانتخابات النيابية خارج القيد الطائفي وعلى اساس النسبية والدائرة الواحدة وحق التصويت لسن 18 ومنع تدخل المال السياسي والغاء الطائفية. واذ تضافرت الكثير من العوامل التي حتمت العمل بقانون الستين للدورة القادمة، فاننا نحذر من الابقاء عليه لان ذلك يعني تفعيل النزعات الطائفية والمذهبية والمزيد من التشرذم الداخلي وتأبيد سيطرة القوى الطائفية والمالية وتكريس المحاصصة واضعاف الانتماء الوطني. ان الايجابية التي حملها اتفاق الدوحة هي انه قام على قاعدة احترام دور ووجود المقاومة، وبالتالي على اولوية ان يبقى الصراع مع المشروع الامبريالي – الصهيوني قائما، لذلك فهذه التسوية المؤقتة فرضتها ظروف معينة ولا يمكن ان تكون دائمة.
والتغيير الجذري المنشود لا يتحقق الا بالنضال الدؤوب في سبيل استنهاض حركة شعبية ديمقراطية لا طائفية للوصول الى العلمنة الشاملة والغاء الطائفية وتأمين عمل المؤسسات الديمقراطية بشكل مستقل ومنها القضاء والمؤسسات الرقابية والنقابية وتحقيق الانماء المتوازن، الذي بقي شعارا اجوف، والذي يقتضي خلق ظروف تنمية حقيقية في المناطق الريفية المحرومة، وبناء السدود، لتمكين الناس من البقاء في ارضها، من هنا كان توجه السلطة المشبوه على مدى الحكومات المتعاقبة لضرب القطاع الزراعي وفرض النزوح من الارياف الى المدن وتاليا من لبنان الى الخارج، وهو مسعى لتفريغ الارض من اهلها واضعاف ارتباطهم بها.
ان الازمات المزمنة والمتراكمة التي خلفتها الحكومات المتعاقبة بعد الحرب انما تأتت من برامج غلاة الفكر الليبرالي الجديد في لبنان، وهم من مدرسة الليبرالية الجديدة التي سعت الى انقاذ الرأسمالية من ازماتها عبر التفلت من كل الضوابط والالتزامات تجاه المواطنين، مستفيدة من غياب النموذج النقيض، أي النظام الاشتراكي، لتعبر عن اشد المراحل تبعية واستغلالا باطلاق يد الاحتكارات، وكف تدخل الدولة في الشأن الاجتماعي، وترك النشاط الاقتصادي لآليات السوق التي تطحن في طريقها الطبقة العاملة والوسطى وكل ما حققتاه من مكتسبات اجتماعية.
ان المديونية العامة التي قاربت الخمسين مليار دولار، وتوسع نطاق الفقر، وزيادة الهوة الطبقية بين الاغنياء والفقراء، وارتفاع معدلات الاسعار مقابل انخفاض قيمة الاجور، وانعدام فرص العمل والهجرة المستمرة خاصة في صفوف الشباب، والتي هي تهجير قسري بسبب الوضع الاقتصادي، وتفشي الفساد وانهيار مؤسسات الدولة، واستهداف القطاعات الانتاجية بسياسة تدميرية متعمدة وخاصة الصناعة والزراعة، من خلال زيادة الضرائب وفتح الاسواق امام السلع المنافسة، واتفاقات الشراكة المتوسطية والاوروبية وما تتركه من تأثيرات سلبية على الانتاج الوطني، وسياسة رفع الدعم عن المواد الاساسية، والتكلفة العالية لخدمات الطاقة والاتصالات والنقل ومواد البناء، والضرائب غير المباشرة التي يتحمل اعباؤها ذوي الدخل المحدود، ومشاريع الخصخصة والتعاقد الوظيفي الذين سيؤديان الى رمي الآلاف من العمال والموظفين في الشارع دون اي عون او مساندة.
ان غياب الارادة الحرة للدولة بوضع برنامج اقتصادي وطني يراعي تطوير الزراعة والصناعة والقطاعات المنتجة ويحقق التنمية، يعود الى رضوخ النظام اللبناني الكامل لشروط صندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية المتعلقة بخفض الاجور ورفع الضرائب والتراجع عن الانجازات المحققة خاصة على صعيد تصحيح الاجور والضمان الاجتماعي المنهك بالفساد والديون في محاولة لخصخصته لمصلحة شركات التأمين الخاص، وبيع القطاع العام وخاصة القطاعات المنتجة فيه، كالاتصالات والنقل والكهرباء والمياه، وهي من القطاعات المفترض ان تقوم الدولة برعايتها ودعمها لعلاقتها بالامن الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع، وللتهرب من مسؤولياتها تلجأ السلطة الى اثارة النزاعات والفتن الطائفية والمذهبية لحماية نفسها ولتأمين وجودها واستمرار نهجها بالفساد والنهب واذلال المواطنين لايصالهم الى حالة من اليأس والاحباط والتهجير القسري للرضوخ لنهج السلطة وكسر ارادة الممانعة والرفض.
وتؤكد السلطة يوميا التحاقها بالمؤسسات المالية الدولية وبشروطها التي لا تنمية حقيقية على جدول اعمالها تجاه بلداننا والدول النامية بشكل عام – ومؤتمر باريس 3 بمشاريعه المثال على ذلك – والتي تسعى بالتواطؤ مع السلطة المحلية الى تحويل الاقتصاد اللبناني الى اقتصاد ريعي، اقتصاد المصرف والكازينو والخدمات، ومحطة لمرور الرساميل الاجنبية دون دخولها في الدورة الاقتصادية المنتجة، واسقاط دور الدولة في الرعاية الاجتماعية. فمشروع السوليدير اضافة الى سرقته حقوق المواطنين، حول قلب العاصمة من نقطة تلاقي وتفاعل اقتصادي واجتماعي بين اللبنانيين الى عقار للبيع في سوق الاسهم المالية امام الرساميل الاجنبية وحتى الصهيونية، هذا المشروع الذي لا علاقة لغالبية الشعب اللبناني به كونه وجد لخدمة البرجوازية المحلية والاجنبية ويتناقض وجوده مع سيادة الدولة ومع المواطنية والانتماء الوطني، وهو اوضح تعبير عن وجود الدولة داخل الدولة.
ان التغيير الجذري لبنية النظام البرجوازي الطائفي المشوه، وبناء ركائز للاقتصاد الوطني على اسس تنموية حقيقية مستقلة عن ارادة الامبريالية ومؤسساتها المالية العالمية كفيلان بنقل لبنان من نظام الشركة والمزرعة الى وطن حقيقي لابنائه وتحصينه في مواجهة العدوان الاميركي – الصهيوني، ان النظام الوطني الديمقراطي كفيل بحماية المقاومة والدفاع عنها، اذ لا يمكن لنظام ملحق بالامبريالية ومرتكز على اسس اقتصادية خاضعة للشروط الدولية ان يكون في مواجهة الامبريالية، وهذه هي العلاقة الجدلية بين الدولة والمقاومة، اذ لا يمكن لنظام تابع او عميل ان يستوعب دور المقاومة، ولان الوصول الى استراتيجية دفاع وطني تحتاج الى نظام وطني ديمقراطي ودولة قوية، والا كان التناقض كبيرا بين خيار الدفاع عن الوطن والالتحاق باعدائه، اما مع طبيعة النظام الحالي ستبقى المعادلة التناقضية قائمة بين المقاومة والدولة ويحكمها نوع من العلاقات القسرية المؤقتة لتجنب الاشتباك الداخلي، لذلك لا يمكن في الواقع الحالي الحديث عن نقل قرار الحرب والسلم الى يد السلطة لان قرارها خاضع للارادة الاميركية، ولا يمكن ائتمانها على الدفاع عن الوطن، اذ لم يقاتل هذا النظام تاريخيا ضد العدو الصهيوني رغم الاعتداءات الدائمة على اراضيه التي ابتدأت مع قيام الكيان الغاصب في العام 1948. ان النظام الذي يروج لشعار قوة لبنان في ضعفه وفكرة الحياد الايجابي والالتزام باتفاقية الهدنة والتحصن بالتطبيق الكامل للقرارين 1559 و 1701 بهدف ضرب المقاومة وحماية امن اسرائيل هو نظام فاقد للارادة الوطنية، بل ان ارادته خضعت لارادة الاحتلال اكثر من مرة، مما يدحض امكانية الاندماج بين المقاومة والسلطة الا بعد تغييرات جذرية ترسي اسس سياسة وطنية واضحة تحدد العدو من الصديق ودور لبنان في الصراع العربي – الصهيوني، ومنهج اقتصادي واجتماعي وطني يؤمن مصالح الطبقة العاملة والجماهير الشعبية ويوفر مستلزمات الصمود الشعبي.
نحن نأمل بدور تلعبه اطراف المعارضة في السلطة لتطوير البنية الاقتصادية والاجتماعية في اتجاهات معاكسة للنهج الحالي للنظام، وحماية المكتسبات الاجتماعية وتطوير الخدمات ووصولها لكل المواطنين، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة وتأمين فرص العمل ومحاربة الفساد، وضمان استقلالية الحركة النقابية والديمقراطية وتطوير المؤسسات التعليمية، على ان يكون التعليم مجانيا والزاميا في كل المراحل لتأمين ثقافة وطنية موحدة وجامعة تنقذ ابنائنا من التلوث الطائفي والمذهبي، خاصة ان المؤسسات التعليمية الخاصة بمعظمها مؤسسات تتبع للمرجعيات الطائفية والمالية التي لا يمكن ان تنتج ثقافة وطنية موحدة.
كما يجب ايلاء قضية المرأة وحقوقها في كافة المجالات الاهمية القصوى، والمدخل لاصلاح هذا الخلل يبدأ بتغيير القوانين التي تكرس الاجحاف والتمييز بحقها، ووضع قانون موحد للاحوال الشخصية الذي يلعب دورا مهما في ازالة الفروقات القانونية والعملية التي تميز بين المرأة والرجل ( في العمل والحضانة والارث ) وصولا الى الزواج المدني كفرع من الاحوال الشخصية، مما يساهم في تطوير البنية الاجتماعية، ان العقبات التي تمنع هذا التطوير للبنية الاجتماعية اللبنانية تعود الى الموقف الذي تتبناه بعض المؤسسات الدينية وبعض المرجعيات السياسية، لان اي تغيير في الواقع الحالي يضعف صلاحياتها ويفقدها مبرر وجودها.
ان المرحلة التي تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية الاميركية، وعن التغيير الحكومي الاسرائيلي، هي مرحلة الفراغ الامني الاميركية، وهي مرحلة خطرة على لبنان لناحية استهداف الامن الوطني، بالتفجيرات والاغتيالات للابقاء على الوضع اللبناني في حالة اللااستقرار حتى ترتسم الصورة الواضحة للمنطقة، وفي هذا السياق اتى التفجير الاجرامي في طرابلس الذي استهدف العسكريين والمدنيين العزل، استكمالا للمخطط الاميركي الذي فشل في تحقيق مشروعه عبر ادواته المحلية من اجل زرع الفتن وضرب الاستقرار والوحدة الوطنية والتشويش على تطور العلاقات اللبنانية – السورية، وفي رسالة واضحة للجيش للضغط باتجاه تغيير عقيدته الوطنية والقتالية التي حددت الكيان الصهيوني عدوا وحيدا للبنان.
ان هذه الوقائع الداخلية والخارجية والمخاطر المحتملة تفترض استعدادا عاليا من قوى المقاومة والمعارضة والتغيير الثوري لتحمل مسؤولياتها التاريخية في مرحلة مفصلية من تاريخ وطننا وامتنا، لرسم صورة مستقبلنا المتحرر من الاحتلال والاستغلال، بخوض النضال الاجتماعي والطبقي لرفع المستوى الحياتي والمعيشي للطبقة العاملة وسائر الشغيلة والكادحين والفقراء، جماهير المقاومة والتضحيات، والانخراط الفعلي والعملي في حركة المقاومة المسلحة ضد الاحتلال والعدوان لتسريع هزيمة المشروع الامبريالي الاميركي – الصهيوني في منطقتنا، لتحقيق السلم والوحدة والديمقراطية والتقدم والتنمية للبنان والامة العربية.